تقارير وحوارات

الدراجات النارية بحضرموت.. إقلاق للسكينة العامة وأرواح تزهق

كريترنيوز /تقرير / صبري باداكي

 

في الأحياء السكنية الهادئة، وعلى الكورنيش الجميل لمدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة مزعجة تتمثل في تجمعات الدراجات النارية “السياكل” ومركبي “القزوزات” ذات الأصوات المرتفعة المزعجة، إذ لم تعد هذه الظاهرة مجرد وسيلة نقل عابرة، بل تحولت إلى ممارسة جماعية تهدف إلى لفت الانتباه وإثارة الفوضى، مما أسفر عن خلق حالة من التوتر وإقلاق السكينة العامة لسكان المدينة.

هذه الممارسات نتج عنها آثار سلبية متعددة، أبرزها التلوث السمعي الحاد الناجم عن ضجيج الأصوات المزعجة التي يبعثها “القزوز”، وعمليات التسابق غير القانونية التي يقومون بها على الخطوط العامة كالستين أو الريان، والتي تشكل خطرًا حقيقيًا على السلامة العامة وإزهاق أرواح الكثير من الشباب بسبب السرعة الزائدة، والاستهتار بحياتهم وحياة المارة ومستخدمي الطريق.

تعكس هذه الظاهرة، من وجهة نظر تحليلية، فراغًا في الأنشطة الترفيهية المنظمة والشبابية المناسبة لشريحة من الشباب، مما يدفعهم للبحث عن طرق بديلة لإثبات الذات وإطلاق الطاقات، كما يلعب التقليد الأعمى والرغبة في الظهور ضمن مجموعات الأقران دورًا محوريًا في استمرارها، مما يحولها من سلوك فردي إلى ظاهرة جماعية تحتاج إلى معالجة جذرية.

“أسباب ظهور الظاهرة”

ظاهرة لم تكن في الحسبان أن نشاهدها بهذا الانتشار المخيف، ولكن ظهرت بشكل كبير ومزعج، وهي ظاهرة أصحاب الدراجات النارية، سواء المتسابقون الذين يعرضون أنفسهم للخطر والحوادث التي تزهق الأرواح وتجلب الحسرة والندم، أو مركبي “القزوز” المزعج للمواطنين في أوقات الراحة والاسترخاء، حيث إن هناك أسباباً أدت إلى ظهور هذه الظاهرة بشكل كبير على مستوى مدن ساحل حضرموت، وخصوصًا العاصمة مدينة المكلا، ومنها: محاولة الشباب لإثبات الذات في المجتمع كتعبير داخلي قد لا يشعر به الشاب مباشرة، لكنه من خلاله يرى نفسه مشهورًا، وغياب الرعاية لهذه الفئات العمرية واستثمار طاقتهم الإيجابية من خلال الأندية الرياضية، وغياب دور الأسر حيث في حالة الفقر التي تعيشه البلاد ينشغل رب الأسرة في معظم وقته بالبحث عن مصدر دخل شريف لأسرته، وهو ما يبعده عن متابعة أبنائه خصوصًا في فترة المراهقة، وضعف التوعية الأسرية والمجتمعية للشباب.

كذلك دفعت البطالة وقلة الأنشطة الترفيهية كثيرًا من الشباب لاستخدام الدراجات النارية للتسلية أو الاستعراض، فضلاً عن انتشار ظاهرة “القزوزات” المعدلة، وتقليد بعضهم البعض في حب الظهور والشهرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما ساهم في تفاقم المشكلة بشكل ملحوظ. كما أن من أسباب ظهور هذه الظاهرة هو التهور والاستعراض من قبل الشباب المراهقين، وفي ظل غياب مراقبة الأهل لأبنائهم وشرائهم للدراجات وهم في سن الطيش.

“جهود أمنية”

مدير إدارة شرطة السير بأمن وشرطة ساحل حضرموت، العقيد معمر عبدالله المشجري، أوضح أن الحملات مستمرة بعد أن تلقوا التوجيهات من المدير العام للأمن والشرطة بساحل حضرموت، العميد مطيع سعيد المنهالي، لضبط كافة الدراجات النارية المخالفة سواء للمتسابقين أو المجهزة بـ”قزوز” مزعج للمواطنين، وتم ضبط 25 دراجة مخالفة ودراجتين من المتسابقين على خط الستين..
مشددًا على عدم التهاون في تنفيذ مثل هذه الحملات لتخفيف الحوادث وضياع أرواح الأبناء، والحد من الإزعاج الذي يتسبب به سائقي الدراجات النارية، سواء في الشوارع العامة أو في الأعراس. كما حذر أولياء الأمور بضرورة تقديم النصائح والإرشادات لأبنائهم كي لا يتعرضوا للعقوبات المقررة بحق المخالفين، أو ضياع أرواح أبنائهم بسبب التسابق والسرعة المفرطة.
ويهدف ذلك إلى القضاء على هذه الظاهرة التي تشوه من خلالها سمعة حضرموت وأهلها. فعلينا التكاتف من أجل أن تظهر حضرموت بحلة مغايرة نضرب بها المثل في الأخلاق الحميدة، وتكون حاضنة سياحية فريدة.

” آراء”

عبر عدد من المواطنين عن آرائهم تجاه هذه الظاهرة بالقول: “الشباب، أنتم المستقبل لا تتركوا لواقعكم المرير أن يصنع مستقبلكم المؤلم، كونوا أكثر جدية وأظهروا الشجاعة في مواجهة الواقع لصناعة المستقبل، وتذكروا قول أحدهم (هيئوا لأمر لو فطنت له.. فاربع بنفسك أن ترعى مع الهمل). على الأمن والشرطة بساحل حضرموت أن تستمر في الحملات وتشديد الرقابة وتطبيق القانون بصرامة، فسلامة الناس أولًا”.

وأضافوا: “كلنا نتحمل المسؤولية، رجال الأمن والشرطة والمواطنين، وهذا من واجبنا لتحقيق هدف سامٍ نتشارك فيه من أجل الحفاظ على أبنائنا الذين لن يمتنعوا عن هذه السلوكيات إلا بفرض القوانين عليهم وملاحقتهم للقضاء على هذه الظاهرة”.
وتابعوا: “ونحن كأولياء أمور، علينا أن نتابع أبنائنا بشكل دقيق، ولا نسمح لهم بالتهور عبر السباق والسرعة المفرطة وتركيب “القزوز” المزعج”.. موجهين عدداً من الرسائل للحد من هذه الظاهرة ووضع الحلول الناجعة لمجابهتها، عبر قيام مكتبي الشباب والرياضة والتربية والتعليم والسلطة المحلية بشكل عام، بالتفكير الجاد في الاستفادة من طاقات الشباب من خلال إقامة مسابقات رياضية لهم، وتفعيل الرياضة عامة في المدارس والأندية، وإقامة المخيمات الصيفية.

كما يجب تكثيف الحملات المرورية والرقابة على الدراجات، ومنع الدراجات التي لا تحمل أرقامًا أو ترخيصًا أو “قزوزًا” مزعجًا للمواطنين. كما يجب تنفيذ حملات توعوية عبر المدارس والمساجد ووسائل الإعلام المختلفة من أجل توعية الشباب وفئاتهم العمرية بخطورة السرعة والإزعاج المرتفع الذي يصدره “القزوز”. يجب فرض عقوبات وغرامات على من يخالف، كما أنه لابد من تفعيل دور الأسرة في المتابعة وتقديم النصائح والإرشادات من أجل توعيتهم. يجب منع ميكانيكيي السياكل وورش الدراجات النارية من تركيب هذه “القزوزات” المزعجة التي تسبب الذعر وإقلاق السكينة العامة للمواطنين في الشوارع.

وعلى الأمن وضع نقاط مراقبة مؤقتة لمحاربة سائقي الدراجات المتهورين، الذين يتسابقون في خطي الستين والريان كل ليلة خميس وجمعة، وأصحاب “القزوزات” المزعجة. على المجتمع أن يصحو وندرك أننا في سفينة واحدة، وأن الخرق سيضر بنا جميعًا، وأن لا نترك للمعاناة المعيشية اللحظية أن تدمر مستقبلنا ومستقبل الأجيال.

ختاماً..
أصبح من الضرورة اليوم مواجهة هذه الظاهرة، من خلال تكاتف الجهود بين المجتمع المحلي والجهات الأمنية المعنية، ويجب أن تترافق حملات التوعية بمخاطر هذه السلوكيات مع توفير بدائل حقيقية تشغل وقت الشباب بما هو مفيد وآمن، فمدن ساحل حضرموت وخصوصًا العاصمة مدينة المكلا، بتراثها الجميل وطبيعتها الساحرة، تستحق أن تظل فضاءً للسلامة والجمال، بعيدًا عن مظاهر الإزعاج والتهور.

زر الذهاب إلى الأعلى