عربية

سوريا.. مفارقات تتلبس خطابات الفرقاء

كريترنيوز/ متابعات /عبدالله رجا

تشهد الساحة السورية مفارقة بارزة بين الخطاب السياسي المعلن والإجراءات العملية على الأرض، إذ تسير الأطراف المختلفة في اتجاهات متناقضة، ما يعكس حالة ازدواجية تضع الفاعلين السوريين وكأنهم يعملون على مسارين متوازيين لا يلتقيان، بل أحياناً متصادمين.. فكل طرف يقدم خطاباً نظرياً يختلف، بل يناقض أحياناً، ما يقوم به عملياً.
قبل يومين، أعلنت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب السوري القائمة النهائية للجان الفرعية الخاصة بالدوائر الانتخابية في المحافظات، وذلك استناداً إلى أحكام «الإعلان الدستوري».. هذه الخطوة التي من المفترض أن تعزز الشرعية المؤسسية، واجهت اعتراضات واضحة من قوى سياسية وكيانات تسيطر فعلياً على الأرض، فالإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا رفضت العملية الانتخابية بهذه الصيغة من أساسها، مؤكدة أنها لا تعكس التمثيل الحقيقي للمكونات، وأن المطلوب قبل الانتخابات تعديل الإعلان الدستوري، فيما أعلنت محافظة السويداء موقفاً أكثر حدة عبر مقاطعة الانتخابات بشكل قطعي. ورغم أن الحوارات التي تسربت بين دمشق والإدارة الذاتية تضمنت حديثاً متكرراً عن إمكانية إدخال تعديلات على الإعلان الدستوري ليصبح أكثر شمولاً وتمثيلاً، وفق ما تطالبه قوات سوريا الديمقراطية، إلا أن المسار الذي تقوده الحكومة ما زال قائماً على الأسس ذاتها، دون أي مؤشر ملموس على نية التعديل، وبالأخص مع انطلاق العملية الانتخابية على قواعد الإعلان الحالي.
في المقابل، اتخذت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا خطوة تصعيدية بإعلان وقف العمل بالمناهج الحكومية في المؤسسات التعليمية الخاضعة لها. ويأتي هذا القرار في لحظة يفترض فيها أن الحوارات مع دمشق تسجل تقدماً نحو توافقات سياسية، ما يجعل الإجراء متناقضاً مع ما يُروَّج له من تقارب.. فالقرار لا يمثل فقط تحدياً لسلطة الحكومة المركزية، بل يوجه أيضاً رسالة مفادها أن الإدارة الذاتية ماضية في ترسيخ مؤسساتها بعيداً عن سيطرة دمشق، حتى في مجالات حيوية كالتعليم.
سقف مطالب
إلى جانب ذلك، أطلق قياديون أكراد تصريحات لافتة.. فقد شدد صالح مسلم، القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي، على أن العودة إلى نظام مركزي بالكامل أمر مرفوض، محذراً من أن أي رفض رسمي لمشروع اللامركزية سيؤدي إلى المطالبة بالاستقلال. كما أكد أن حل قوات سوريا الديمقراطية غير وارد، باعتبارها قوة الدفاع الأساسية عن المنطقة. وتكشف هذه التصريحات بوضوح عن أن سقف المطالب لدى الإدارة الذاتية يبتعد أكثر عن دمشق، على الرغم من استمرار قنوات الحوار. وفي الاتجاه نفسه، طرح سيبان حمو، أحد القادة البارزين في «قسد»، مبادرة لتشكيل مجلس عسكري مشترك مع الحكومة السورية الانتقالية، باعتبارها خطوة أولى نحو بناء جيش وطني جديد يتسع لجميع السوريين ويستند إلى مشروع ديمقراطي شامل.
تعقيدات
أما في السويداء، فالمشهد لا يقل تعقيداً، إذ تحرص الحكومة السورية على إظهار حضورها عبر إدخال مساعدات إنسانية إلى الأهالي، في محاولة لترسيخ صورة إيجابية وإبراز دورها كضامن للاستقرار.. غير أن القوى المحلية في المحافظة تواصل تمسكها بخيار الانفصال الكامل عن سلطة دمشق، ما يضع المنطقة أمام مسارين متوازيين مسار رسمي يقدم نفسه كراعٍ للخدمات والدعم، ومسار شعبي ــ سياسي يرفع سقف المطالب إلى حد المطالبة بالاستقلال التام. هكذا تبدو المفارقة السورية اليوم أوضح من أي وقت مضى: مسارات انتخابية رسمية تقابلها مقاطعة ورفض، حوارات سياسية معلنة تتزامن مع خطوات عملية تنسفها، ومبادرات إنسانية من الدولة تواجهها مطالب انفصالية من الداخل، ما يعكس عمق الأزمة السياسية القائمة، حيث لم تعد المشكلة في غياب الحلول فقط، بل في التناقض الخطير بين الخطاب والواقع.

زر الذهاب إلى الأعلى