القيادة بين إرث الماضي وإعادة إنتاج الأزمات
كتب: منى أحمد
إرث السنين المثقل بالتصورات الخاطئة والتفسيرات المغلوطة للدين والتعليم يُلقي بظلاله على حاضر الشعوب ومستقبلها. إن الجيل الحالي والأجيال القادمة تدفع ثمن هذا الإرث، حيث تتوارث العقول مفاهيم تنتمي إلى عصور مضت ولم تعد صالحة لبناء مجتمعات حديثة قادرة على التعايش والسلام. إن الطائفية والانقسامات العرقية التي تشهدها دول مثل سوريا العراق لبنان فلسطين اليمن وغيرهم ليس بقليل ليست إلا نتائج حتمية لهذا الموروث، حيث يتم تشكيل القيادة وفق مخرجات فكرية وأيديولوجية تحمل جذورًا من هذا الماضي المثقل بالتعصب والإقصاء.
لن يتحقق السلام في هذه الدول ما دامت مناهج التعليم تُكرس الانقسامات وتنادي بالجهاد ضد الآخر بناءً على العرق أو الدين أو اللون. الكتب المدرسية التي تُزرع في عقول الأطفال تحتوي في كثير من الأحيان على رسائل خفية وصريحة تعزز الكراهية وتُضعف روح التعايش. ومع غياب الإرادة الحقيقية لإجراء تغيير جذري، تستمر الأجيال في إعادة إنتاج نفس المشكلات، حيث لا يُبنى الفرد على أسس عقلانية ولا يُزرع فيه مفهوم القبول بالاختلاف.
الثورة الحقيقية التي تحتاجها هذه المجتمعات تبدأ من التعليم، فهو المحرك الأول لأي تغيير مستدام. لا يمكن أن يستمر النظام التعليمي في تكريس ثقافة الماضي، بل يجب أن يكون أداة للتحرر من القيود الفكرية. يجب البدء من الصفر، بإنشاء مناهج تعليمية تنبذ الكراهية وتعزز قيم المساواة والعدل والتنوع، تحت مظلة قوانين تضمن حقوق الجميع دون استثناء. التعليم يجب أن يكون ساحة لتعزيز الفهم الإنساني وليس ميدانًا لتكريس الأيديولوجيات التي تُفرز قادة لا يملكون سوى إعادة تدوير نفس الأزمات.
ما لم تحدث هذه الثورة الفكرية، ستظل شعوب هذه الدول حبيسة دورة لا تنتهي من العنف والانقسام. القيادة السياسية والاجتماعية التي تنبثق من هذا الإرث لن تكون إلا امتدادًا له، ولن تملك القدرة على بناء مستقبل أفضل. إن البداية الحقيقية لأي تغيير هي مواجهة الجذور، وإعادة النظر في كل ما يتم تلقينه للأجيال منذ طفولتهم. فقط عبر هذه الخطوة يمكن لهذه الشعوب أن تنجو من مصير محتوم، وتبدأ مسارًا جديدًا نحو التعايش والسلام العادل.