مقالات وآراء

التحالف مع الخصم: حسابات سياسية أم مجازفة بمصير الجنوب ؟

بقلم: جميل الشعبي

منذ اجتياح الجنوب في صيف 1994م، أدرك شعبنا في الجنوب أن العدو الحقيقي لقضيته الوطنية هو نظام علي عبدالله صالح، وأجهزته القمعية، والأحزاب التي نشأت في كنف سلطته الاستبدادية. واجهنا هذا النظام في أوج جبروته، حين كان يهيمن على البر والبحر والجو، ويستخدم ترسانته العسكرية والاستخباراتية لقمع تطلعاتنا في الحرية واستعادة دولتنا.

وعقب تحرير عدن من الغزو الحوثعفاشي في عام 2015م، بمساندة من الأشقاء في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، استطاع أبناء الجنوب بدمائهم وتضحياتهم تحرير معظم أراضيهم حتى وصلت قواتهم إلى مشارف الحديدة. كانت تلك مرحلة مفصلية، أعادت للجنوب شيئاً من السيادة والأمل.

ثم جاءت مرحلة تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وتشكيل الوحدات العسكرية للجيش الجنوبي والأمن، بدعم إماراتي مشكور. عندها، شعرنا أن استعادة الدولة الجنوبية أصبحت قريبة المنال، وأن مشروع الاستقلال يقترب من لحظة الحسم.

لكن ما حدث لاحقاً أثار كثيراً من التساؤلات والشكوك. فبعد أن كان التحالف الجنوبي واضحاً في عدائه للمنظومة العفاشية، التي قادت الغزو والتحريض وسفك الدماء، بدأنا نلاحظ تحولاً تدريجياً في الخطاب والتحالفات. فجأة، برز تقارب بين قيادة الجنوب ممثلة بالرئيس القائد عيدروس الزبيدي، وبين شخصيات بارزة من أسرة صالح، برعاية دولة شقيقة كانت إلى وقت قريب داعماً صادقاً لقضيتنا.

ما يثير القلق في هذا التقارب أنه لم يسبقه أو يصاحبه أي اعتراف من الطرف العفاشي – ولو ضمني – بحق الجنوبيين في استعادة دولتهم كاملة السيادة على حدود ما قبل مايو 1990م. بل لا تزال رموز تلك المرحلة تُمارس ذات الإنكار والتجاهل، وكأن شيئاً لم يكن.

نتساءل اليوم: هل هذا التحالف مع رموز نظام عفاش هو تحالف مرحلي يهدف فقط لتحرير صنعاء من قبضة الحوثيين؟ أم أنه إعادة إنتاج لتحالفات قديمة تستهدف في جوهرها وأد القضية الجنوبية وتمييع مطالبها؟

نحن نعلم – من التجربة والواقع – أن الهضبة الزيدية، بأحزابها وشيوخها ونخبها السياسية، لم ولن تؤمن يوماً بحق الجنوب في الاستقلال. فهل من الحكمة أن نعقد التحالفات مع من نعرف يقيناً أنه لا يؤمن بقضيتنا، ولا يعترف بحقنا المشروع؟

ومن المؤشرات المقلقة أن الخطاب الإعلامي لبعض الإعلاميين الجنوبيين بدأ يتجنب الإشارة إلى الطرف العفاشي في الغزو، مكتفياً بوصفه بـ”الغزو الحوثي”، وكأن طلائع الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي لم تكن هي من اجتاحت عدن والمحافظات الجنوبية بالسلاح الثقيل والتنكيل.

ختاماً، نطرح السؤال بصدق وشفافية، للرأي العام الجنوبي: هل نحن أمام تحالف يخدم الجنوب في هذه المرحلة الحرجة؟ أم أمام تحالف تكتيكي قد يتحول إلى فخ استراتيجي يعيدنا إلى المربع الأول؟

الشكوك كثيرة، والمخاوف مشروعة.. والتاريخ لا يرحم من يكرر الأخطاء.

زر الذهاب إلى الأعلى