دلالات القبض على قيادات حوثية في مناطق الشرعية: هل بدأ انهيار شبكة النفوذ الخارجي للجماعة؟

بقلم /كمال صلاح الديني
تثير الوقائع الأخيرة، والمتمثلة في القبض على الشيخ القبلي المؤيد لجماعة الحوثي محمد أحمد الزايدي في المهرة ، والوزير الأسبق لخارجية حكومة الحوثيين هشام شرف في عدن ، جملة من التساؤلات العميقة حول المرحلة التي تمر بها جماعة الحوثي في صنعاء وما إذا كانت تعيش حالة إنكماش تكتيكي ، أم أنها تواجه بالفعل تصدعاً بنيوياً يطال هرمها القيادي وأذرعها السياسية والعسكرية ..
حيث لا يمكن التعاطي مع هذه الأحداث بوصفها مجرد وقائع أمنية منفصلة ، بل ينبغي قراءتها ضمن سياق سياسي متشابك ، تتبدى فيه مؤشرات التحوّل في ميزان القوى داخل اليمن ، وتحديداً في الجنوب الذي يبدو اليوم أكثر وعياً من أي وقت مضى بمآلات التسوية السياسية القادمة ، وأقل قابليةً لمهادنة رموز حوثية تتسلل تحت غطاء تفاهمات مشبوهة أو ترتيبات ما بعد الحرب …
إن وقوع شخصيات حوثية بارزة في قبضة السلطات بمناطق الشرعية ، لا يشي فقط بإرتباك في تحركاتهم بل يكشف عن خلل متزايد في منظومة القرار داخل الجماعة ، وإضطراب داخلي يضرب تماسكها الظاهري الهش ، فالعجز عن حماية كوادرها خارج نطاق نفوذها يعكس تراجعاً واضحاً في قدرتها على المناورة، ويؤشر إلى أن الغطاء السياسي والدبلوماسي الذي كانت تستند إليه قد بدأ في التآكل، وربما تحول إلى عبءٍ ثقيل على بقاء الجماعة نفسها.
وتُظهر هذه التطورات، في بعدها الأوسع ، بأن جماعة الحوثي باتت محاصَرة بطوق من الضغوط المتعددة داخلياً وخارجياً ، فالمواقف الصارمة التي بدأت تصدر من المهرة وعدن تعبّر عن مزاج جنوبي رافض ٍ لأي تسوية تفرض واقعاً سياسياً جديداً لا يُنصف الجنوب ، ولا يعكس حجم تضحياته ولا يضمن حقوقه المشروعة ، وفي المقابل تمارس الأطراف الإقليمية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات إلى جانب سلطنة عُمان ، ضغوطاً متزايدة على جماعة صنعاء، في سياق مساعٍ حثيثة للتوصل إلى تسوية شاملة، قد تتطلب بالضرورة تفكيك قدر كبير من أدوات الحوثيين، وربما إفراغ بعض رموزهم من مضمونهم السياسي .
إن ما يحدث اليوم قد لا يكون سوى تمهيد لمشهد أكثر تعقيداً، قد تنفرط فيه بعض حلقات الجماعة، أو تلجأ قياداتها إلى خيارات النجاة الفردية، سواء عبر الهروب أو الإنشقاق، خاصة مع تنامي الإحساس بأن مخرجات التسوية السياسية المقبلة لن تضمن للجميع بقاءً أو نفوذاً.
الرسالة التي يُفترض أنها وصلت إلى الحوثيين واضحة فرقعة تحركاتهم تضيق ، والجنوب في تركيبته الجديدة وتحالفاته المتجددة، لن يكون ساحة خلفية لتسويات مفروضة، ولا ممراً آمناً لإعادة تدوير رموز الإنقلاب بلبوس الشرعية…
إنها لحظة مفصلية لا تتعلق فقط بمصير الجماعة، بل بمستقبل الدولة اليمنية وشكلها القادم، ومن يحق له الجلوس على طاولة القرار، ومن يُقصى منها بقوة التاريخ والجغرافيا والسيادة…