مقالات وآراء

فخ الشراكة بين “الانتقالي” و”الشرعية”

كتب: حافظ الشجيفي

في مقال سابق، أشرت إلى ان الشراكة التي جمعت المجلس الانتقالي الجنوبي بالشرعية قبل خمس سنوات لم تكن وليدة توافق وطني بغرض تحقيق الاهداف الاقتصادية والعسكرية التي اعلن عنها حينها، بل كانت جزءًا من مخطط دولي معقد، بُني على فهم خاطئ ورهان زائف على تطلعات الشعب الجنوبي وارادته الصلبة في الاستقلال واستعادة دولته…
حيث كانت القوى الدولية تعتقد أن سبب صمت الشعب الجنوبي وعدم خروجه في مظاهرات “سلمية” حاشدة ضد الحكومة لمطالبتها بحل الأزمات المعيشية والخدمية المفتعلة،التي يواجهها أنه يراهن على المجلس الانتقالي في حمايته والتصدي للحكومة وسياساتها التجويعية التي تمارسها ضده وظنت أن الشعب يعول على المجلس الانتقالي الذي يمثله ،في مواجهة الحكومة والتصدي لها والوقوف امام سياساتها نيابة عنه
وبناءً على هذا الاعتقاد الخاطئ، فقد لجأت تلك القوى الى تدبير فخ الشراكة بهدف إدخال المجلس الانتقالي في شراكة مع الحكومة، ليصبح طرفًا في مواجهة الشعب الذي يمثله، وبالتالي يتحول إلى خصم له. على اعتقاد خاطئ من جانبها أن الشعب، بعد أن يرى ممثله وحاميه قد أصبح شريكًا مع الحكومة في معاناته وازماته، سيفقد الأمل في أي مقاومة، وييأس من القضيته الوطنية التي يناضل من اجلها، ويضطر للخروج في مظاهرات سلمية للمطالبة بالخبز والخدمات. على اعتبار ان خروج الشعب الجنوبي في مظاهرات سلمية للمطالبة بقضايا اقتصادية وخدمية يمثل بالنسبة لتلك القوى دليل على استسلامه وركوعه، وتخليه عن قضيته الوطنية الكبرى، واستعداده للقبول بأي خيارات سياسية لا تمثل تطلعاته. سيتم طرحها عندئذ على انها حلول لتلك لأزمات المعيشية والاقتصادية والخدمية المفتعلة التي يعاني منها، ليجد الشعب نفسه مجبرًا في هذا الوضع على القبول بها .
لكن ورغم مرور خمس سنوات على تلك الشراكة، التي تفاقمت الأزمات المعيشية والخدمية والاقتصادية خلالها لتصل إلى ذروتها، لم يخرج الشعب الجنوبي في مظاهرات سلمية بينما استمرت القوى الدولية في قراءتها الخاطئة للموقف، فاعتقدت مجددا أن الشعب لا يزال يراهن على المجلس الانتقالي، حتى وهو شريك في الحكومة، علي تحقيق الاستقلال وإنهاء المعاناة من خلال موقعه فيها
ولمّا خاب ظنها في أن الشراكة ستدفع الشعب للتخلي عن قضيته، لجأوا إلى أساليب أخرى. تقوم على تشويه صورة المجلس الانتقالي وقادته، وتقديمه للشعب على انه مجموعة من “البلاطجة” الذين يسعون وراء مصالحهم الشخصية الأنانية فقط على حساب القضية الجنوبية.على اعتقاد خاطئ ان هذا التشويه سيُفقد الشعب الثقة في المجلس الانتقالي ويُخيب أمله فيه، فيضطر للتراجع عن أهدافه في الاستقلال ويقبل بأي حلول سياسية تُفرض عليه.
لكن الشعب الجنوبي لا يراهن على أحد. فرهانه الوحيد على إرادته. حيث أدرك منذ البداية أن مسار قضيته مرتبط بإرادته الصلبة التي لا تلين. فإذا انحرف المجلس الانتقالي عن مساره، أو حتى غاب وتوارى عن الانظار، ستظل إرادة الشعب الجنوبي ثابتة لا تتزعزع.
وبصرف النظر عما كان المجلس الانتقالي الجنوبي يدرك ابعاد هذا المخطط واهدافه غير المعلنة او لا يدرك فان الشعب الجنوبي لن يخرج أبدًا في مظاهرات سلمية من أجل الخبز والخدمات على حساب قضيته الوطنية. ولن يتخلى عن دماء الشهداء التي روت أرضه من أجل تحقيق هدفه العظيم في الاستقلال واستعادة الدولة.فإرادة هذا الشعب هي الضامن الوحيد لتحقيق استقلاله واستعادة دولته، وهي أقوى من كل المخططات والفخاخ الدولية.

فقد فهم الشعب الجنوبي اللعبة، وعرف أن المطالبة بالخبز اليوم هي تنازل عن حق الأجيال في الغد. وأن الخروج تحت شعار الخدمات والمطالب المعيشية هو استسلام مبرر للعدو. لذلك، يظل صموده صرخة مدوية في وجه كل المخططات، وتذكيراً للجميع بأن قضيته ليست سلعة قابلة للمساومة، وأن إرادة التحرر أقوى من كل أساليب الترهيب والتجويع والتشويه.

فمهما حاولوا، ومهما دبّروا، فإن إرادة الشعب الجنوبي تعرف طريقها إلى الحرية، ولا تعرف الرجوع إلى الوراء

زر الذهاب إلى الأعلى