مقالات وآراء

حورة حاضرة في مهب الطرق

كتب: د. مسعود عمشوش

 

اليوم تعد مدينة حورة عاصمة (مديرية وادي العين وحورة). وتقع في أعلى وادي الكسر الذي يشكل أعرض وأخصب منطقة في حضرموت كلها. وهي نقطة التقاء وادي حضرموت بوادي العين الذي تمر عبره الطريق الغربية القادمة من الجول وساحل حضرموت. وقد ظلت حورة مركزًا تجاريًا تمر بها الجمال ثم العربات القادمة من المكلا بساحل حضرموت وتلك القادمة من المملكة العربية السعودية عبر صحراء الربع الخالي. وفي نهاية خمسينات القرن الماضي افتتحت بريطانيا مطارا مدنيا وعسكريا بمنطقة بحران الواقع شرقي حورة.

وفي مطلع ثلاثينيات القرن الماضي أثر فتح الكاف وآل السري لطريق السيارات الشرقي بين الوادي والساحل في أهمية مدينة حورة ومعظم المدن التابعة للقعيطي في غرب حضرموت. وعلى الرغم من طول الطريق الغربي تم اختيار تعبيده في سبعينيات القرن الماضي وذلك بفضل النفوذ السياسي لسكان تلك البقاع، ومنذئذ استعادت حورة شيئا من أهميتها في طريق التجارة والنقل.

وبعد 1990 سارع علي عبد الله صالح بالاستيلاء على الأراضي الزراعية الواسعة التي تقع شرقي حورة وشيّد فيها معسكرات غير معلنة وقام بتشييد الطريق السريع الذي يربط صنعاء بسيؤن وثمود والمهرة والذي يمر شمال حورة. وشكل ابتعاد هذا الطريق عن مركز حورة ضربة كبيرة للمدينة التي لم تستفد كذلك من المقاهي العجيبة والغريبة التي فتحت في منعطف بن عيفان في شمالها الشرقي. واليوم تعد جولة بن عيفان جمهورية ليس لها على ما يبدو علاقة فعلية بمركز حورة وربما بحضرموت بشكل عام.

وتاريخيا كانت حورة حاضرة وذات أهمية كبيرة. ففي القرن العاشر الهجري جعل السلطان الكثيري بدر ابو طويرق من حورة نقطة انطلاق للاستيلاء على دوعن وإخضاع آل العمودي لحكمه، وبنى فيها حصنًا عظيمًا لا تزال بعض أجزائه قائمة لليوم. واحتلها اتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب بقيادة ابن قملا فترة من الزمن، ثم استولى عليها القعيطي، وبعد الاستقلال سنة 1967 أصبحت مركزا بمديرية القطن.

ومما كتب عنها ابن عبيد الله السقاف ف كتابه (إدام القوت): “قال ابن الحائك في موضع من «صفة جزيرة العرب» حورة مدينة عظيمة لبني حارثة من كندة.. وهي من حصون حمير بحضرموت.. وكانت حوره في الأزمنة المتأخّرة تحت حكم النّقيب بركات بن معوضة اليافعيّ، وله مكاتبات من الحبيب عليّ بن حسن العطّاس، ثمّ استولت عليها عساكر السّلطان عبد العزيز بن محمّد بن سعود، أو ولده سعود المتوفّى سنة (١٢٢٩ هـ‌) ـ حسبما سبق في الشّحر ـ وطردوا النّقباء اليافعيّين.

وكانوا وصلوا إلى حضرموت سنة (١٢١٩ هـ‌)، ولكنّهم كانوا قليلا إذ ذاك فصدّهم السّلطان جعفر بن عليّ الكثيريّ عن شبام. وبعد ارتفاع أصحاب ابن قملا عن حورة .. استولى عليها عمر بن جعفر بن صالح بن مطلق، من آل عمر بن جعفر آل عمد، ثمّ ولده جعفر، ثمّ ولده صالح، ثمّ ولده مقبل بن صالح. ثمّ أخذ القعيطيّ يسايسهم حتّى أدخلوه إليها، وبقي نائبه هو وإيّاهم بحصنها، يديرون أمرها معا، حتّى استولى القعيطيّ على شبام، فعندئذ قال نائبه بحوره لصالح بن مقبل: لا مقام لك بعد اليوم، فإن شئت الخروج بالأمان وإلّا ناجزتك. فخرج إلى النّقعة عند المشايخ آل باوزير، فأوصلوه ومن معه إلى العجلانيّة حيث يقيم بها أعقابه إلى اليوم. وفي القرن العاشر عمّر الشّيخ عمر بن عبد الله بن عبد الرحمن باوزير ضميرا لسقي أطيان حوره ونخيلها، فمانعه بنو معاذ وأهل غنيمة والسّحارى والخطّة والمخينيق وحريز والعدان، وقاموا عليه، وساعدهم عليّ بن ظفر والي المخينيق، وبنو ظنّة أهل السّور، وبنو قيس، والمقاديم والظّلفان من نهد، وأمدّهم التّجّار بالمال، وهم: أبو منذر، وبو عيران، وبو عسكر، وحصل منهم ضرر عظيم على أهل حوره، وعلى أهل عرض مخاشن”.

وبما أن حورة محاطة بأراض خصبة فقد مارس سكانها الزراعة. وبعض الحرف البسيطة. وهاجر منهم عدد كبير إلى دول الخليج، ومع ذلك ليس بينهم من أصبح ثريا مثل أبناء دوعن وأسهم في ترميم حصن حورة التاريخي المهدد اليوم بالزوال، والذي نال إعجاب جميع الرحالة الأجانب الذين توقفوا في حورة وسكنوا فيه والتقطوا له المئات من الصور، منذ نهاية القرن التاسع عشر. وكما ذكرنا أول من شيد هذا الحصن هو بدر بو طويرق، وذلك فوق مرتفع صخري يشرف على كل ما حوله ويتكون المبنى من خمسة طوابق من مادة اللِبن، ويتحذ شكلًا مكعبًا بزوايًا شبة دائري، وبهِ جدران تسمى (المعاصر) تنتصب منحنية للداخل. ويتميز حصن حورة عن غيره من الحصون بوجود بوابة واحدة له فقط من الجهة الشمالية وهي خشبية سميكة مدعمة (بالزوافر) ومرصعة بالمقابض الحديدية. وقد استخدم القصر خلال حكم السلطنتين الكثيرية والقعيطية حامية عسكرية ومقرا لنواب السلاطين.

وتشتهر حورة اليوم بمكتبتها الخيرية التي أسسها الشيخ ابوبكر بن محمد بن سالم باوزير الذي فتحها للقراء في مسجده. كما تشتهر حورة بعدد من الرقصات التراثية لعل أهمها رقصات الزامل والدحيفة والخابة. وترتقي رقصة الظاهري إلى مستوى رقصة الشبواني في حدرة والشحر، فهي تؤدَّى في الزواجات وعند استقبال الوفود، وفي أيام عيد الفطر وعيد الأضحى تأخذ أبعادا كرنفالية.

زر الذهاب إلى الأعلى