ماجدات في غياهب النسيان

كتب/ نادرة عبد القدوس
للمرأة العدنية تاريخ مشرّف في مجالات عدة، الاجتماعي والسياسي والثقافي والاعلامي والاقتصادي وحتى العسكري. كانت المرأة العدنية السباقة في مختلف المجالات، منذ عشرينيات القرن المنصرم ولها بصماتها المحفورة في ذاكرة تاريخ عدن، إلا أنه للاسف، تتعرض المرأة، كغيرها في كثير من البلدان العربية وغير العربية، إلى تغييب دورها النضالي واستبعادها، تعمداً، عن المشهد وإبقائها في الظل، رغم التشدق بتحرير المرأة اقتصادياً والدفع بها إلى الصفوف الأولى وفي مواقع صنع القرار.
إلا أن كثيراً من النساء تمرد على هذه السياسات ولم يرضَ بالغبن الواقع عليه. وهناك نساء أثبتن جدارتهن في تحمل مسئولياتهن المهنية والوظيفية وحققن نجاحات مرموقة.
إحدى النساء اللاتي أفنين أعمارهن في مجال تخصصهن، بصدق وإخلاص وتفانٍ، دون أن يُذكَرن، الاستاذة الدكتورة فائزة صالح عبداللاه التي تُعد أول امرأة على مستوى الوطن والجزيرة والخليج وعدد من البلدان العربية، عالمة تقوم بتربية النحل ودراسته واستخلاص منتجاته، كما قامت بتأليف عددٍ من الكتب والدراسات العلمية عن النحل وفوائد العسل، بعد قيامها بتجارب علمية حول ذلك.
التحقت ا.د. فائزة صالح في كلية ناصر للعلوم الزراعية/ جامعة عدن، كمعيدة في قسم وقاية النبات عام 1976م، ثم تدرجت في نيل الألقاب العلمية لتصل إلى أستاذ عام 2006م. درست علم الحيوان العام وعلم تربية النحل. لها أكثر من 34 بحثاً، عن النحل ومنتجاته، نُشرت في مجلات علمية محلية وخارجية، كما صدر لها خمسة كتب علمية عن تربية النحل ومنتجاتها، ونالت عن عدد منها جوائز تقديرية من جامعة عدن وبعض المنظمات العربية والدولية، وقد تُرجم عددٌ من ابحاثها إلى لغات أجنبية، منها البلغارية والانجليزية.
شاركت أ. د. عبداللاه في كثير من المحافل العلمية، الإقليمية والدولية، في مجال تربية النحل ومنتجاته. وقد أُدرج اسمها بين قلائل من الباحثين العلميين والمتخصصين في هذا المجال.
بذلت أ. د. فائزة جهوداً كبيرة وجبارة للارتقاء بالعمل الأكاديمي والحفاظ على منحل النحل المتواضع في كلية الزراعة وعلى تربية النحل فيه ودرء المخاطر عنه، كما كانت تقدم دعماً كبيراً للطلاب في الكلية وتذلل كثير من الصعوبات التي تعرقل مسيرتهم العلمية. وكانت تصرف، في كثير من الأحيان من مالها الخاص.
وبعد مسيرة عملية وعلمية ناجحة، توقفت د. فائزة عن العمل، بسبب إغلاق الكلية، بعد حرب 2015م؛ فتدهور وضعها وتدمر المنحل وماتت الأشجار التي كانت في حرم الكلية والتي يجد النحل غذاءه فيها. وأحيلت الدكتورة فائزة عبداللاه إلى التقاعد، كغيرها من علماء كثُر، وهم في أوج عطائهم العلمي والأكاديمي في بلادنا. وها هي تعيش في غياهب النسيان، فهل من مدّكر؟!