أرجولاند.. القارة الشبح التي حيّرت العلماء 155 مليون سنة

كريترنيوز /متابعات/ البيان /وائل زكير
بعد أكثر من 155 مليون عام من الغياب، أعاد فريق بحثي من جامعة أوتريخت فتح أحد أكبر الألغاز الجيولوجية على الأرض ” قارة أرجولاند “، أو ما يُسمّيها العلماء “القارة الشبح”، التي انفصلت عن غرب أستراليا قبل أن تتفكك وتنزلق شمالا نحو جنوب شرق آسيا، تاركة وراءها شبكة معقدة من الشرائح الأرضية والمحيطات الصغيرة.
على عكس بعض الكتل الأرضية الأخرى، مثل كتلة الهند القارية التي انفصلت عن غندوانا قبل نحو 120 مليون سنة وانجرفت شمالا لتصبح جزءا من آسيا، لم تترك أرجولاند أي آثار واضحة على الأرض.
لم تُظهر صخور أو سلاسل جبلية دليلا على مسارها، مما أبقى العلماء في حيرة لعقود. هذا الغموض دفع الفريق إلى إعادة التفكير في حركة القارات، والابتعاد عن الفرضية التقليدية التي تفترض أن القارات تتحرك دائمًا ككتل صلبة متماسكة.
انفصال فوضوي
أوضحت الدراسة الجديدة أن أرجولاند لم تغادر أستراليا ككتلة واحدة، بل انفصلت بطريقة فوضوية تحت تأثير قوى تكتونية، مما أدى إلى تمددها وتشققها وتفككها إلى مجموعة من الشرائح الأرضية الصغيرة. هذه الشرائح انجرفت على مدى ملايين السنين نحو جنوب شرق آسيا، واستقرت أجزاء منها تحت جزر مثل شرق إندونيسيا وميانمار.
الباحث الرئيسي إلدرت أدفوكات قال إن المحاولات الأولية لإعادة بناء القارة فشلت، إذ لم يكن هناك أي تطابق بين القطع المتناثرة.
ولحل اللغز، اعتمد الفريق نهجا عكسيا، بالعمل على تتبع الأدلة من جنوب شرق آسيا نفسها، لتحديد مسار الشظايا وخرائط المحيطات القديمة التي تعود إلى نحو 200 مليون سنة، والتي تشكلت نتيجة التمدد والتشقق داخل القارة قبل انفصالها.
وبينما استمرت هذه العملية بين 50 و60 مليون سنة، بدأ الانجراف الشمالي لشظايا أرجولاند قبل نحو 155 مليون سنة، لتتشكل شبكة معقدة من القارات الشريطية والمحيطات المتداخلة.
واعتبر أدفوكات أن القارة لم تُفقد، بل كانت مجموعة ممتدة ومجزأة للغاية، مما دفع الفريق إلى إطلاق مصطلح جديد عليها: “أرغوبيلاجو”، أي أرخبيل قاري متصل بعروق المحيط، لكنه متشظٍ على نطاق واسع.
آثار الجغرافيا على المناخ والتنوع البيولوجي
لا تتوقف أهمية أرجولاند عند الجانب الجيولوجي، بل تمتد لتفسير العديد من الظواهر البيئية والبيولوجية في المنطقة، إذ يشير الباحثون إلى أن اصطدام أجزاء أرجولاند بجزر جنوب شرق آسيا ساهم في تشكيل التنوع البيولوجي الغني والفريد الذي نراه اليوم، وربما يفسر التوزيع غير المتساوي للأنواع على طول خط والاس، الفاصل الطبيعي بين الأنظمة البيئية الآسيوية والأسترالية في إندونيسيا.
كما أن التمدد والتشقق في أرجولاند وتأثيره على تكوين المحيطات الصغيرة كان له دور محتمل في المناخ القديم للمنطقة، ما يوفر للعلماء بيانات قيمة لفهم تاريخ التغير المناخي منذ ملايين السنين.
انعطافة في فهم القارات
تثبت دراسة أرجولاند أن القارات لا تتحرك دائما ككتل صلبة، وأن بعض القارات القديمة يمكن أن تنقسم إلى شرائح متداخلة، معقدة، ومتصلة جيولوجيًا لكنها متناثرة جغرافيا. هذا الاكتشاف يمثل نقطة انطلاق لأبحاث جديدة حول تطور القارات، حركة المحيطات، وتوزيع الحياة على الأرض، ويؤكد أن الأرض لا تزال تخبئ أسرارا ضخمة في تاريخها الطويل الممتد لمئات الملايين من السنوات، وفقا لموقع “livescience”.
ومع هذا الإنجاز، تتحول أرجولاند من أسطورة جيولوجية غامضة إلى قطعة أساسية في فهم تطور الأرض والمحيطات والحياة، بعد أن ظلت لغزا بلا حل لعقود، وما زالت تفتح الباب أمام مزيد من الاكتشافات العلمية المستقبلية