عصام والبالون الأحمر ..
قصة وتأليف : عيشة صالح محمد
يلهو عصام ذو الخمس سنوات أمام منزله ببالونه الأحمر، المربوط بخيط رفيع، أمسك عصام بطرف الخيط، وترك البالون يتمايل في الهواء، وفجأة انفلت طرف الخيط من يد عصام، وطار البالون إلى الأعلى، لقد دفعه الهواء بعيدا، أراد عصام الإمساك ببالونه؛ فركض بالاتجاه الذي يطير فيه البالون، وظل يركض ويركض من شارع لآخر، حتى استقر البالون أعلى أحد المنازل، وعصام ينظر إليه ، وينتظر أن تحركه الرياح إلى الأسفل، ولكن للأسف حدث العكس، حركته الرياح إلى الأعلى مجددا، وظل البالون يتحرك من مكان لآخر وعصام لا يتوقف عن متابعته، حتى كادت إحدى الدراجات أن تصطدم به، وهو غير منتبه.
كان البالون يهبط تارة وتارة يرتفع، وهذه المرة علق في شجرة في الطريق، وبقي عصام تحت الشجرة ينتظر أن تحركه الرياح للأسفل، وبينما هو ينتظر، التفت خلفه فرأى كلبا أخافه، وأخذ يصرخ كلب كلب، ولكن الكلب لم يؤذه ، وجرى بعيدا، وحين اطمئن عصام من ابتعاد الكلب، انتبه إلى أن البالون قد تحرك من مكانه مبتعدا عن أغصان الشجرة وطار، فعاد للركض خلفه، وأثار ذلك فضول ولد أكبر منه سنا، فسأله :
“لماذا تجري هكذا في كل اتجاه؟” رد عليه عصام :
“أنا أجري خلف بالوني”
قال الولد : لا تتعب نفسك، اتركه واشتري غيره”
رد عصام بإصرار : “كلا… أريد بالوني الأحمر، سوف أستعيده”
ثم تركه الولد ومضى وهو يقول : “يا لك من ولد عنيد”
علق البالون الأحمر مجددا في شجرة أخرى، وأخذ عصام يرميه بالحجر حتى ينزل، وصادف ذلك عبور ولدين، فأصاب أحدهما بالحجر عن طريق الخطأ، فوقف الولدان، ونظرا إلى عصام نظرة شر، فخاف عصام، واعتذر قائلا :
“أنا آسف، لست متعمدا، أردت فقط إنزال البالون”
ولم ينه عصام جملته، إلا وقد تلقى لكمة على وجهه من يد أحد الولدين، ودفعه الآخر، ليسقط على الأرض، ولم يستطع عصام الدفاع عن نفسه، فشرع يبكي ويبكي، وتركه الولدان، وذهبا بعيدا.
تحركت الرياح، وأخذت معها البالون إلى اتجاه آخر، فنسي عصام ألم اللكمة وعاد يركض خلف البالون، ثم هدأت الرياح، وأخذ البالون يدور ويدور في نفس المكان، وعصام يدور معه محاولا الإمساك به، وأخيرا نجح وأمسك بطرف الخيط، وظهرت الابتسامة على شفتيه فرحا بعودة بالونه، ولكن الابتسامة لم تدم، وحل محلها ملامح الخوف، عندما تلفت حوله ، ولم يعرف أين هو، ولا من أي طريق جاء، أراد العودة إلى البيت ، ولكنه تائه لا يعرف الطريق الصحيح للعودة إلى البيت، أخذ يتأمل وجوه الناس ، ولم يعرف منهم أحدا، فبدأ بالبكاء، وأثناء ذلك رآه رجل كان يسير في الطريق، فتوقف بجانبه، وسال :
“ما بك؟ لم تبك يا صغيري؟”
رد عصام وهو مستمر في البكاء :
لقد أضعت الطريق، أريد العودة إلى البيت”
أخذ الرجل بالضحك، فاستغرب عصام وتساءل في نفسه: “من هذا الرجل الغريب؟ أنا ضائع، وهو يضحك”
وزال استغرابه عندما قال له الرجل :
“يا عصام، أنا أعرفك، وأعرف والدك، وكذا بيتك، هيا معي سأعيدك إلى البيت”
فرح عصام، وسار إلى جانب الرجل، وما زالت الدموع في عينيه، ووجهه محمر من أثر اللكمة، وعندما وصل إلى الشارع الذي يسكن فيه، أحس بالاطمئنان، وهرع نحو بيته.
دخل عصام إلى البيت، وكانت أمه تبكي، وحين رأته جرت نحوه تحتضنه، وتقبله، ثم توقفت، وأخذت توبخه قائلة :
“أين كنت كل هذا الوقت؟ لقد قلقنا عليك، وخرج أبوك يبحث عنك”
شعر عصام بتأنيب الضمير، وأخبر أمه بكل ما حدث معه وهو يطارد البالون، ثم قال لها نادما :
“سامحيني يا أمي، لن أبتعد عن البيت بعد اليوم”.