السريانية.. لغة علم وفن تقاوم الاندثار

كريترنيوز /ثقافة/هيسم جودية/دمشق
السريانية لغة سامية من أهم اللغات القديمة التي يمتد تاريخها لآلاف السنين، اكتسبت أهمية كبيرة في بلاد الشام وبلاد الرافدين، باعتبارها حاملة راية حضارة عريقة، غنيّة بالعلوم والآداب والفلسفة. أسهمت السريانية في نقل العلوم والمعرفة والفن من الحضارات الأخرى وخاصة الإغريقية، وكان للسريان دور كبير في نهضة الدولة الإسلامية في العهدين الأموي والعباسي من خلال حركة الترجمة والتعريب. وعلى الرغم من أن هذه اللغة شهدت في مراحل تاريخية تراجعاً كبيراً، وأصبحت لغة طقسية للعديد من الطوائف المسيحية في سوريا، إلا أن البعض يحاول إحياء هذه اللغة في سوريا ومنعها من الاندثار.
لهجة
يقول الكاهن في طائفة السريان الكاثوليك جان حايك، لـ«البيان»: «إن اللغة السريانية هي لغة سامية، وتعتبر إحدى لهجات اللغة الآرامية الشرقية التي انتشرت في منطقة دجلة والفرات وحتى جبال أرمينيا وكردستان».
ويضيف حايك: «السريانية كانت مستعملة كلغة أدبية قبل العهد المسيحي، وفي القرن الخامس الميلادي عندما ثارت الجدالات العقائدية في الشرق، استفادت اللغة من ذلك فائدة عظمى، إذ راحت كل فئة تعمل على صقلها وإغناء مفرداتها وضبطها لتكون قادرة على التعبير عن حاجات الناس كلها، اللاهوتية والفلسفية والعلمية والطبية والفلكية واليومية».
تكتم
ويشير حايك إلى أن اللغة السريانية كانت من أهم اللغات في المنطقة في عهد الإمبراطورية الرومانية بعد الإغريقية، كما أنها أهم اللغات الآرامية وأغزرها أدباً، إذ وضع علماء اللغة فيها معاجم وأصولاً لغوية وقواعد نحوية وأبدع أدباؤها في الفصاحة والبلاغة والشعر.
ويردف الحايك: إن اللغة السريانية كانت لغة علم وفن، حيث أبدع علماؤها في الكتابة في شتى العلوم والفنون، بالإضافة إلى القيام بنقل وترجمة الكثير من الكتب من اللغات الأخرى كاليونانية، الإغريقية، اللاتينية، الفارسية، لافتاً إلى أن السريانية احتكرت العلوم وأحاطتها بشيء من القدسية والتكتم.
يوضح الحايك بأنه كان للسريان المسيحيين دور كبير في النهضة العربية، حيث تزعموا حركة الترجمة من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية لمدة تزيد على 3 قرون، الأمر الذي أدى إلى ازدهار الحياة الفكرية في العهدين الأموي والعباسي، وخاصة في عهد المأمون. ويضيف أن أغلب المؤلفات اليونانية لم تُعرب من لغتها الأصلية إلى العربية، بل عُربت من السريانية إلى العربية، مشيراً إلى أن حركة الترجمة شملت جميع مناحي الحياة الفكرية في الفلسفة والطب والهندسة والعمران وغيرها.
ويتابع: «حركة الترجمة لعبت دوراً في إحداث ثورة علمية في الحضارة الإسلامية وخلقت مناخاً وتنوعاً فكرياً في العصر الوسيط، ثم انتقل ذلك التأثير إلى أوروبا في بدايات عصر النهضة».
تراجع
ويلفت الحايك إلى أن اللغة السريانية شهدت تراجعاً في القرون الأخيرة، وخاصة خلال العهد العثماني. ويشير إلى أن هذه اللغة ما زالت لغة محكية في العديد من المناطق السورية. ويؤكد الحايك أن مئات الكلمات السريانية متداولة في اللهجات المحكية، حيث تزخر اللهجات المحكية في معظم المناطق السورية بمئات الكلمات ذات الأصل السرياني التي لا زالت مستخدمة إلى الآن، منوهاً أن عشرات المناطق السورية لها اسم سرياني مثل كفرسوسة، داريا، زملكا، صحنايا، بسيمة، بلودان، جمرايا، كفرون، تلبيسة، كفربهم، محردة، اسطامو، كرخو.