لِترى الطريق أهداكَ نجمةً

قصة تأليف / منال حسن السهامي
في يوم جميل ورائع، ذهب أرشد مع زملائه في رحلة علمية، نظمتها مدرسته إلى إحدى المزارع. كان أرشد سعيدًا بتلك الرحلة بصحبة أصدقائه الذين يحبُّهم ومعلِّمته الطيّبة. كان الجميع سعداء، يتبادلون الأحاديث فيما بينهم ويضحكون.. كان الطريق طويلًا وبعيداً إلى المزرعة، وفجأةً توقفت حافلة المدرسة في منطقة بعيدة لا يوجد بها أناس ولا عابر سبيل، منطقة منقطعة عن الناس والخدمات، منطقة مخيفة، كثيرة الأشجار المرتفعة. بدأ الجميع يشعرون بالخوف المصحوب بالقلق، المعلِّمة: لا تقلقون، إنه مجرد عطل بسيط وسيصلحونه..
التلاميذ: نحن خائفون، هل سيصلحون العطل حقًا؟
المعلِّمة: نعم، سيصلحونه إن شاء الله، لا داعي للقلق.
مرّت ساعةً كاملة ولم يستطيعوا إصلاح ذلك العطل، فقد كان عطلًا فاتكًا، إضافة إلى توقفهم في منطقة منعزلة عن المارة والخدمات وعن شبكات التواصل، مما اضطر الجميع للجلوس بتلك المنطقة على أمل أن يأتي الله بالفرج.
التلاميذ: معلِّمتي، أنا خائف.. معلِّمتي، أنا جائع.. معلِّمتي، أريد أمي.
كل التلاميذ كانوا خائفين كثيرًا، كانوا قلقين كثيرًا، ،حتى أن تعابير الخوف كانت ظاهرة على وجوههم من كثرة تلك الأسئلة التي كانوا يوجهونها إلى معلِّمتهم التي كانت ترتجف خوفًا، تارةً من أسئلة التلاميذ، وتارةً من ذلك المكان المخيف، إلاّ أنّها كانت تظهر قوتها وتماسكها رغم كلّ ذلك الخوف الذي في داخلها.
جمعت المعلِّمة التلاميذ وأطعمتهم وأسقتهم، فقد كانت تقوم بدور الأم الحنون. أطمأن التلاميذ بوجود المعلِّمة وبدأ الجميع يهدأ.. كان الوقت يمرُّ ببطء شديد حتى اختبأت الشمس وظهر القمر. نام الجميع وهم خائفون، وفي صباح اليوم التالي ذهب السائق ليبحث عن أحد ليساعدهم، وبقيت المعلِّمة برفقة التلاميذ. مرّت ساعة ولم يأتِ سائق الحافلة بالنجدة.. بدأ الطعام والماء ينفدان.
المعلِّمة : تعالوا إلى هنا جميعًا، سنجلس ريثما يأتي سائق الحافلة، جلس الجميع حول المعلِّمة وهي تقصُّ عليهم قصصًا جميلة لتنسيهم الشعور بالخوف. الكل كانوا مستمتعين بالقصص حتى إنهم نسوا ذلك الخوف، إلاّ أرشد لم تنل إعجابه قصص المعلِّمة.. وبينما كان الجميع منسجمين بتلك القصص تسلل أرشد إلى المكان ليكتشفه..
كان الجميع ملتفين حول المعلِّمة وهي تقص عليهم القصص الجميلة وهم سعداء، لم يلاحظوا غياب أرشد ولم يلاحظوا أنه غادرهم. أما أرشد فقد كان سعيداً وهو يتمشى في أرجاء المكان المنعزل، ويتمخطر ويغني: (سأكتشف المكااان.. سأكتشف المكان، سأكتشف المكااان.. سأكتشف المكان، لا لا لا… لا لا لا).
وبعد أن أكملت المعلِّمة القصص أخذت تنظر إلى تلاميذها، رأت أن الجميع موجودون إلا التلميذ أرشد لم يكن معهم، سألت المعلِّمة التلاميذ: من شاهد أرشد؟
التلاميذ : كان هنا… أين ذهب؟!
ذهبت المعلِّمة لتبحث عن أرشد، بحثت في الحافلة ولم تجده، بحثت في المكان الذي أطعمتهم فيه ولم تجده، كانت تبحث في الأماكن القريبة كي لا تترك التلاميذ فيضيعون وهي خائفة وقلقة عليه، وأرشد لم يشعر أن المعلِّمة ستقلق عليه، بل كان يسرح ويمرح في المكان وهو مستمر بالغناء حتى أحس بالتعب، نظر أمامه ووجد شجرة فقال: سأرتاح تحت هذه الشجرة قليلًا ثم أكمل رحلتي الاستكشافية في هذا المكان الشاسع..
جلس أرشد برهةً تحت الشجرة ثم سمع نعيق غرابٍ من أعلى الشجرة فأزعجه الصوت، نظر إلى أعلى الشجرة فرأى غرابين وعُش به غربان صغار، أخذ أرشد حجراً ورمى بها ذلك الغراب، وكرر ذلك حتى ذهب الغراب، فعاد للجلوس تحت الشجرة.. شعر أرشد بالجوع والعطش، ومع هذا لم يفكر بالعودة إلى المعلِّمة وبقية التلاميذ، لم يكن يفكر بشيء سوى استكشافه للمكان.
عاد الغراب مرةً أخرى ومعه تفاحة ممسكها بمنقاره إلى العش وبدأ بالنعيق مرةً أخرى، فأزعجه ذلك فأخذ أرشد حجراً ورمى الغراب بها حتى وقعت التفاحة أرضًا وذهب الغراب، فرح أرشد بالتفاحة وفكر بأكلها، لكنه رأى نصفها مأكولًا ففكر برميها، ثم فكر بالغربان الصغار الذين في داخل العش، فصعد إلى أعلى الشجرة ليضع تلك التفاحة، رأته أنثى الغراب يصعد إليها وبدأت بالطيران والنعيق، خاف أرشد فرمى التفاحة في العُش ونزل بسرعة وجلس تحت الشجرة يفكر ويفكر، ويتساءل: (من أين جاء الغراب بهذه التفاحة؟!)، عاد الغراب في المرة التالية، سمعه أرشد ورآه هذه المرة ممسكاً في منقاره بحبة برتقال، تعجب أرشد من الغراب مرة أخرى وبدأ بالتساؤل مرةً أخرى، حتى طار الغراب، ففكر أرشد أن يتبعه هذه المرة، فتبعه حتى وصل إلى مزرعة كبيرة بها الكثير من الفواكه والخضروات، ففرح أرشد كثيراً وذهب يأكل منها، أكل الموز والتفاح حتى شبع، تذكر أرشد زملاءه ومعلِّمته الطيبة، قائلًا: قد تكون معلِّمتي قلقة عليّ، سأذهب وأطمئنها وأحضر الجميع إلى هنا.. عاد أرشد إلى المكان الذي تركه، وفي طريق عودته سمع صوت المعلِّمة تنادي باسمه: أرشااد…أرشااد ، أجابها : معلَّمتي.. أنا هنا..
فرحت المعلِّمة به فرح أم بمجئ طفلها، وضمته وهي تبكي، شعر أرشد بخوف المعلِّمة عليه فقال: أنا آسف، وأخبرها بأنّه وجد مزرعة كبيرة بها الكثير من الفواكه والخضروات، وأخبرها عن كل شيء بتلك المزرعة..
المعلِّمة: إنّها المزرعة التي كنا ذاهبون إليها..
أرشد: حقًا.. هي؟!
المعلِّمة: يبدو ذلك من وصفك لها..
جاء سائق الحافلة خائبًا، وأخبرهم أنه لم يجد أحدًا ليساعدهم. حكت المعلِّمة للسائق قصة أرشد حتى النهاية، فقال السائق لأرشد: من دلّك عليها؟!
أرشد: إنّه الغُراب..
السائق: الغُراب؟!
أرشد: نعم.. إنّه الغُراب..
المعلِّمة: الغُراب!
أرشد: نعم، لولا التفاح والبرتقال الذي جاء بهما الغراب لما علمت مكان المزرعة.
المعلِّمة: (لقد أهداك نجمةً لترى الطريق)..
ضحك الجميع برهةً، ثم أخذ أرشد الجميع إلى المزرعة ليتعلمون ويستمتعون بهذه الرحلة.