آداب وفنون

لماذا العالم الفيزيائي بول ديراك خجولًا وهادئ الطباع وقليل الكلام؟

قصة: عمر محمد العمودي

كان العالم الفيزيائي بول ديراك خجولًا، هادئ الطباع، قليل الكلام، لا يتحدث إلا إذا سُئل، وغالبًا ما كانت إجاباته مقتضبة ومباشرة. في إحدى محاضراته، وبعد أن أنهى حديثه، رفع أحد الطلاب يده وقال: “لم أفهم المعادلة المكتوبة في أعلى الجانب الأيمن من السبورة”.
ساد الصمت القاعة، حتى تدخل المشرف وسأل ديراك إن كان يرغب في الرد على السؤال. أجابه ديراك بهدوء: “ما قاله ليس سؤالًا، إنه تعليق”.

بجانب هذا الهدوء الظاهر، كان ديراك يفضل الابتعاد عن الأضواء. حين بلغته أخبار فوزه بجائزة نوبل، لم يسرّه الأمر بل راودته فكرة رفضها، خوفًا من الشهرة التي قد تفرضها عليه. غير أن نصائح من حوله حذّرته من أن الرفض قد يزيد من شهرته بشكل أكبر، فقرر في النهاية قبول الجائزة.
هذا الموقف يسلط الضوء على شخصية ديراك الغريبة، التي تجمع بين العبقرية العلمية والخجل الاجتماعي، ما أثار فضولي للبحث في تفاصيل حياته..
أدى هذا الفضول إلى اطلاعي على كتاب “أغرب الرجال: الحياة الخفية لبول ديراك” للمؤلف غراهام فارميلو، والذي تحدث عن جانب آخر من حياة ديراك، لاسيما طفولته في بيئة أسرية معقدة. نشأ بول في بيت فرض فيه والده السويسري التحدث بالفرنسية فقط، بينما كانت والدته الخجولة تتحدث الإنجليزية مع بقية الأطفال. خلال أوقات الطعام، كان ديراك يجلس مع والده ويتحدثان بالفرنسية، في حين كانت الأم والأطفال الآخرون يتبادلون الإنجليزية، ما أحدث تباينًا واضحًا في التواصل الأسري.
حتى أن ديراك الصغير كان يعتقد أن الرجال يتحدثون الفرنسية والنساء الإنجليزية، تعبيرًا عن تأثير هذا الانقسام اللغوي في نشأته!
علاوة على ذلك، كان الأب شديد القسوة، يعاقب بول على أي خطأ نحوي.. وربما هذا ما دفعه إلى الانطواء على نفسه، والتحدث فقط عند الضرورة، وبحذر شديد، مقتصرًا على كلمات معدودة.
يمكننا أن نرى في هذه الخلفية الأسرية مبررًا لشخصية ديراك الخجولة والصامتة التي ظلت تلازمه طوال حياته.
وهو جانب يظهر أن عبقريته العلمية لم تغير من طبيعته أو من طباعه.. فالتأثير الحقيقي على شخصيته كان لما عاشه في طفولته، حيث شكلت البيئة الأسرية الصارمة والخبرات النفسية التي مر بها شخصيته الهادئة والخجولة.
وهذا يذكرنا أن العلم وحد -رغم عظمته- لا يُشكّل الإنسان، بل تبقى للتجارب والظروف بصمات أعمق وأصدق، تخلد في أعماق النفس وتشكل جوهرها.

زر الذهاب إلى الأعلى