آداب وفنون

ليس البيت فكرة

قصة: عمر محمد العمودي

ليس البيت فكرة، البيت عقل..
البيت حيث نرتدي إنساننا، إذا كنّا ما زلنا أحياء
في البيت تولد الأفكار
أفكار تُحلّق، أخرى تزحف، وبعضها يظل مقعدًا..
لكن هناك بيوتا عقيمة، تعجز حتى عن إنجاب فكرة مشوّهة..

البيوت هي ظلال النجوم على الأرض
لا.. النجوم هي ظلال البيوت على السماء.
كُلّما انهدم بيت خفتت نجمة
وكُلّما شُيّد بيت بزغت أخرى..
تلك النجوم التي لا نراها هي ظلال لبيوت غير مكتملة..
نجوم تعاني خللًا في النمو، لا تعكس شيئًا..

ما بين بيت وبيت تختلف التضاريس
يكثر الندى على بيوت العزاءات،
تزهر سعادة بيوت الأفراح، وإن امتلأت أرقًا.
تتعرّق بيوت الفقراء يومًا وتتجمّد يومًا
بينما تتساقط لبنات وأحجار بيوت الميراث بعد أرواح أصحابها..

في البيت فقط ينكشف الأب. هناك يلمع حضوره أو ينطفئ
هناك تكون نحنحته آمنة أو مخيفة،
يكون صوت عصاه بشرى أو وعيدا..
في البيت فقط يصبح الوالد أبًا
حيث تُزرع حكمة مع كل قطرة حنّاء تتساقط من ذقنه على قميصه الأبيض.
أما الأم فليست شيئًا في البيت؛ الأم هي البيت
بها يظل صلبًا وإن مرّت ألف حرب، وإن اخترقته القذائف؛
فهي ترممه بجلوسها مبتسمة على سجادة الصلاة..
البيت يحيا بروائحه
يحيا بعاداته
يحيا بعودة أفراده من البعيد
البيت يحيا بالأطفال
الأطفال هم بشاشة البيت، وهم ابتسامته.
مع كل ولادة طفل تظهر سنّة أخرى في فم البيت
ومع فقد أول طفل تتساقط كل الأسنان دفعة واحدة..
البيوت تكتمل بأصحابها..
تبدأ بأول خطوة للزوجة، تلك التي تحيك نجمة في الأرض ينعكس ظلّها في السماء.
البيت تصنعه قلوب أصحابه، البيت أصحابه..
كل إنسان يولد هو مشروع بيت، وكل عروسة تُزفّ إليه مشروع نجمة.

في البيت، الابن الصغير لا يكبر أبدًا
الابنة الصغرى تظل طفلة حتى وإن تجاوزت الخمسين..
البيت يتعرّى حين تمرض الأخت الكبرى
ويصبح مكشوفًا دون سقف بغياب الأخ الأكبر.
الأخوة في الوسط هم أعمدة البيت وجدرانه، من دونهم يظل خواء..

في البيت أقدم دولاب أكثر من يستخدم
كوب الماء لا يتغير لسنوات
الشاي لا يكون شايًا إذا تبدل الإبريق القديم

للبيت رائحة، لا تشبهها رائحة بيت آخر؛
تنتقل العائلة بأكملها إلى بيت جديد ولا تصنع تلك الرائحة
تأتي عائلة أخرى إلى البيت الذي خرجت منه العائلة الأولى، ولا تجد الرائحة السابقة

البيت الطيني يحزن أكثر من غيره حين يغادره أهله
يتمنى أن يذوب في الأرض ولا يُجبر على احتضان غرباء
وأنا أكثر من يعرف ذلك.. أنا..
أنا دمعة بيت طيني

زر الذهاب إلى الأعلى