تحذير.. عمليات جراحية تقتل حصان طروادة المناعي داخل الجسم

كريترنيوز / عماد الدين إبراهيم
اعتبرت الجراحة خط الدفاع الأول ضد الأورام الصلبة، حيث يتم استئصال الورم وغالباً معه العقد اللمفاوية القريبة (أو ما يُعرف بالعقدة الحارسة) لمنع انتشار السرطان والتأكد من «نظافة» المنطقة، لكن الأبحاث الحديثة، خصوصاً في مجال العلاج المناعي، تثير تساؤلاً جذرياً: هل كانت هذه الجراحة القياسية تقتل حصان طروادة المناعي داخل الجسم؟ بحسب Nature Immunology.
الخلايا القاتلة للسرطان
الجهاز اللمفاوي هو جزء حيوي من الجهاز المناعي، وتعتبر العقد اللمفاوية بمثابة «مراكز تدريب» أو «قواعد عمليات» للخلايا المناعية القوية، وعلى رأسها الخلايا التائية (T-cells).
وظيفته الحيوية
بدلاً من كونها مجرد «مستودعات» للخلايا السرطانية المنتشرة، أثبتت الأبحاث المنشورة في دوريات علمية مرموقة مثل Nature Immunology أن العقد اللمفاوية التي تصرف السائل من موقع الورم هي الموقع الرئيسي لتطوير وتدريب الخلايا التائية القادرة على مكافحة الورم، ويتم في هذه العقد توليد الخلايا التائية التي تستجيب لمثبطات نقاط التفتيش المناعية أو العلاج بالخلايا التائية المعدلة؛ أي أنها المصنع الذي ينشط العلاج المناعي.
المفارقة القاتلة
تكمن المفارقة القاتلة هنا في أن الجراحة التقليدية، التي تهدف لمنع الانتشار، قد تكون عائقاً غير مقصود أمام العلاجات الأكثر تطوراً لأنه عندما يقوم الجراحون بإزالة العقد اللمفاوية المحيطة بالورم (التي تسمى العقدة اللمفاوية الحارسة أو التشريح الكامل للعقد)، فإنهم يزيلون فعلياً مراكز التنشيط المناعي التي تعتمد عليها استجابة الجسم للعلاج المناعي.
تشير الدراسات إلى أن هذه العقد مسؤولة عن إنتاج الخلايا التائية القاتلة وكذلك خلايا الذاكرة التي تضمن استدامة الحماية من عودة السرطان.
إزالتها قد تضعف قدرة الجسم على المحاربة طويلة الأجل، وفي التجارب السريرية الحديثة، أظهر المرضى الذين تم تأخير استئصال العقد اللمفاوية لديهم حتى بعد إكمال دورة العلاج المناعي استجابة أفضل بكثير للأدوية المناعية.
تدريب جيش الخلايا
يرى الخبراء أن إبقاء العقد سليمة يمنح العلاج المناعي الفرصة الكافية لـ«قفز» الاستجابة المناعية وتدريب جيش الخلايا التائية.
هذا التحول يدفع الأطباء إلى إعادة التفكير في بروتوكولات العلاج، خصوصاً لسرطانات مثل سرطان الثدي والميلانوما، حيث أصبح العلاج المناعي قبل الجراحة يكتسب أهمية متزايدة بوصفه استراتيجية للحفاظ على هذه «الجامعات» المناعية حتى يتم تفعيلها بالكامل قبل استئصال الورم.
والمعركة ضد السرطان لم تعد مجرد سباق لإزالة الخلايا المريضة، بل هي سباق لتدريب وتفعيل الجهاز المناعي، وفي هذا السياق لم تعد العقد اللمفاوية مجرد مؤشر تشخيصي، بل هي أصل استراتيجي يجب الحفاظ عليه قدر الإمكان لزيادة فرص الشفاء.