تقارير وحوارات

الخوف يقتل أطفال الحروب وهم على قيد الحياة!

 

كريترنيوز /صحيفة شقائق / تقرير/ سها البغدادي

يستيقظ أطفال العرب بشكل يومي على مشاهد أشبه بفيلم رعب سواء الأطفال الذين يعيشون داخل البلاد الذين يعانون من ويلات الحروب أو الأطفال الذين يتأثرون بما يحدث حولهم بالمنطقة العربية، فقد شاهدنا العديد من الفيديوهات المؤلمة والتي أثرت بدورها غير المباشر على نفسية باقي الأطفال بالمناطق العربية .

فالخوف شعور طبيعي داخل الإنسان ، ولكنه يختلف بحسب طبيعة كل شخص ويظهر بدرجات متباينة بحسب العوامل البيئية والارتباطات الشرطية والظروف الاجتماعية التي يعيش فيها الشخص والتي تؤثر في حياته، كما أنها تؤثر فى بناء شخصيته ككل.

وفي هذا الصدد سنتحدث عن مخاوف الأطفال داخل البلدان الذين يعانون من ويلات الحروب .

أحياناً يبدو العالم بالنسبة للأطفال الصغار مكاناً مرعباً، والأشياء التي تبدو لنا ككبار طبيعية وآمنة تماماً،قد تبدو لهم مؤذية ومخيفة، وعندما نتحدث عن الأطفال الذين يعيشون داخل البلدان العربية ، وغيرها من البلدان التي تعيش حالة من الحرب ، فقد نجد أن هذا الواقع مرعبا جدا ومؤلما للغاية ، فجأة تتبدل كل معاني ومفاهيم الإنسانية ، وكأن هؤلاء الأطفال فرض عليهم أن يستيقظوا على أصوات الطائرات والصواريخ والصراخ ، فرض عليهم فقدان الأمان وفجأة يجد الطفل نفسه وحيدا بجوار جسمان أحد والديه أو كليهما أو يجد نفسه بجوار جثة أخيه الذي كان يلعب معه أو يجد نفسه فقد ألعابه وكتبه المحببة ، في بعض الأحيان قد يجد الطفل نفسه جائعا ومشردا وعاريا لا يشعر بالدفىء الأسري يتساءل بنظراته البائسة لماذا كل هذا الدمار من حولي ، ومن يفعل تلك الحروب التي تجتث براءتي وتمحي طفولتي دون أى ذنب أقترفته غير أني طفل عربي أرضه محروقة بفعل المؤامرات الدولية التي رسم خطوطها صناع الحروب وتجار الأزمات وسارقي الأوطان .

إن الخوف شعور إنساني طبيعي وإن كل الأطفال يشعرون بالخوف في أوقات معينة في حياتهم وإن هذا الخوف هو جزء طبيعي في تطورهم، ولكن الخوف الذي يشعر به أطفال الحروب الذين يقتسمون خبز الموت بشكل يومي دون أدنى شعور بالأمن والأمان سوف يؤدي بهم إلى مستقبل مرعب ، بعضهم سوف يكون منطويا وخائفا وليس لديه أي قدرة على الانتماء لأي مكان فقد يبدو العالم مرعبا بالنسبة له ، والبعض الآخر من هؤلاء الأطفال سيكون لديه تركيبة نفسية غير سوية وتسيطر عليه غريزة الانتقام من الذين قاموا بقتل ذويه وحرمانه من حياة طبيعية آمنة كان يريد أن يحظى بها مثل أقرانه في الدول الآمنة .

وفي واقع الذكريات المؤلمة التي كانت نتيجة الحروب.
نتذكر مواقف عديدة مرت علينا في واقع الأطفال في بعض الدول التي تعاني من أهوال الحروب ومنهم طفل من الضالع بالجنوب ويدعى سياف الذي أمسك بيدي وهو يستغيث بي ويقول لي لا تتركيني أرجع إلى بلادي فحاولت أن أعرف منه أسباب مخاوفه فقال لي القائد ضبعان يقتل الأطفال بالضالع يا خالتي وهم داخل منازلهم وعندما بحثت عن حقيقة القائد ضبعان استطعت أن أحصل من منظمات حقوق الإنسان على ملف كامل لجرائم هذا القائد قاتل الأطفال واندهشت من هول ما قرأت ، فكان يقتل الأطفال دون أدني شعور بالذنب .

موقف أخر عندما ألتقيت مع والد الطفل الشهيد عبد الله بن الدكتور عبد الكريم عبيد ، فقال لي والد الطفل الشهيد إن الطفل كان الأول على مدرسته وذهب مع والده لكي يشتري حلوى النجاح وإذ بقوات القائد ضبعان تخرج عليه ويقتلوه وهو في حضن والده الطبيب ومنعوا والده من محاولة إسعافه لدرجة أن والده الطبيب المكلوم كان يلملم أمعاء طفله بربط شاله على جسد طفله ولهذا فقد أطلقت عليه درة الجنوب .

موقف آخر للطفل حارث من عدن عندما سألته، ماذا تتمنى فقال لي أتمنى أن أعيش بسلام وألعب مثل أطفال مصر لأن الحرب باليمن تشعرنا بخوف كبير ولا نستطيع أن نشعر بطفولتنا مثل أطفال مصر .

موقف لطفل مصري في الروضة يسمى أدعم عندما أندلع حريق داخل مدرسة ، صرخ من الخوف وقال بصوت عال إسرائيل بتقتلنا مثلما قتلوا أطفال غزة ، وظل يومين في حالة من الرعب وقد تأثر الطفل بما يحدث حوله ، وبما شاهده من فيديوهات عبر التواصل عن ما يحدث لأطفال غزة .

وبالنسبة لأطفال سوريا والسودان وغزة ، فالمشاعر التي يشعرون بها عجز قلمي عن شرحها ، فهم أطفال في ظاهرهم أنهم على قيد الحياة ، ولكن فى الواقع المرير فهم أجساد تمشى على الأرض على حافة الرعب والمخاوف ، لاجئون داخل مخيمات على أطراف المدن محاصرون بين الجوع وكرات الجليد أو محاطون بأسوار مدارس الأورنوا ويرصدون حركة الطائرات من فوقهم ويسمعون أصوات القذائف والصواريخ التي ترعد قلوبهم وتهدم منازلهم التي تحتوى على أحلامهم الصغيرة ويرون الدماء والأشلاء المتناثرة حولهم مثل أطفال غزة وقد راح ضحية هذه الحرب حتى الآن مالا يقل عن 4000 طفل حولتهم الحرب لأشلاء متناثرة .
وهناك أطفال السودان الذين هربوا من الموت إلى الدول المجاورة مع أسرهم والبعض الأخر ما زال يعيش داخل الصراع فى غياب ضوء الإعلام عن نقل معاناته .

أسباب الخوف الزائد عند الأطفال :

– قد يكون ناتجا عن الحروب التي يعيش بداخلها والتي فرضت عليه بفعل القوى الداخلية والخارجية التي تتحكم فى بوصلة أمان العالم.

أما عن أسباب الخوف بالنسبة للأطفال الذين يعيشون داخل بيئات طبيعية فقد تتمثل فى التدليل الزائد أو النقد الكثير أو القسوة المفرطة ، فالنقد الزائد للطفل يولد شعورا قوياً لديه بالخوف من الوقوع في الخطأ ، مما يؤدي في النهاية لفقد الطفل لثقته في نفسه. والتدليل يجعله واهن العزيمة غير قادر على تحمل مشاق الحياة ، مما يشعره بالخوف من كل تجربة أو خبرة جديدة يمر بها ، فالأمر يحتاج إلى توازن بين الإفراط والتفريط ( التدليل والقسوة ).

– الصراعات الأسرية الناتجة عن الفقر بفعل الحرب في البلدان المحيطة ، في جو المشاحنات المستمرة تولد خوفا لدى الأطفال من المستقبل.

– التأثير على الأخرين ، فقد يستخدم الطفل ذلك الخوف للسيطرة على الوالدين وجذب الانتباه له ، وهذه الطريقة تعزز بشكل مباشر وجود المخاوف لدى الطفل ، فيصبح الخوف تجربة مريحة ومؤلمة في آن واحد.

– الضعف الجسمي أو النفسي للطفل ، فالضعف الجسمي أو النفسي يقلل الدفاعات السيكولوجية للطفل ، مما يكون لديه مخاوف من الاحتكاك بالناس أو المواقف المختلفة.

– تخويف الطفل : فالطفل في المراحل العمرية المبكرة يعتمد تفكيره على الخيال الخصب ، والبعد عن الواقع ، لذا فهو يخضع في تفكيره للعوامل الخارجية أكثر من اعتماده على المنطق والعقل والتدبر في الأمور.
– رد فعل الوالدين المبالغ فيه ، فالارتباك والهلع التي تصيب الأمهات عند تعرض الطفل لأي معاناة ، تعزز ذلك السلوك لديه.

علاج الخوف لدى الأطفال :

علاج الخوف بالنسبة لأطفال الدول التى تعاني من ويلات الحروب يتمثل فى الدعوة إلى التعايش السلمي ، وفض النزاعات والوصول إلى حالة السلام المجتمعي بين جميع الأطراف المتناحرة حتى يتمكن أطفال الجميع من العيش بسلام ويكونوا أسوياء على النحو النفسي والمجتمعي .

وعن علاج الخوف بالنسبة للأطفال الذين يعيشون داخل بيئات آمنة ، تقول د. عبير العمراوي : علاج الخوف، أولاً : يجب على الوالدين أن يكونا مثالاً للهدوء والاستقرار في تصرفاتهما أمام طفلهما الخائف، فيمارسان حياتهما بصورة طبيعية، بحيث يكون الجو الأسري المحيط بالطفل باعثاً على الطمأنينة والأمان، وحتى في وقت شعوره بالخوف، يهدئانه ويتكلمان معه بهدوء وثقة، فيسألانه لماذا أنت خائف؟ أنا أريد مساعدتك أنا بجوارك.

ثانياً : محاولة تقديم نماذج جيدة في التعامل مع مخاوف الطفل ، فالأب الذي يخاف من الفأر مثلاً، يحاول أن يكتم تلك المخاوف ولا يظهرها أمام طفله.

ثالثاً : يحاول الوالدان تقليل نسبة الخوف لدى الطفل باتباع استراتيجيات للتعايش، في حالة خوف الطفل من الظلام يحاول الأب الجلوس مع الطفل، ثم يخفض النور قليلاً، ويشعره بأنه معه في أمان أو ينام الأب مع الطفل في حجرته والباب مفتوحا ، ثم يغلق الباب قليلاً قليلاً كل يوم وهكذا حتى يتعود على الظلام ولا يخافه.

رابعاً : لا يحاول إجبار الطفل على عمل شيء لا يريده كالجلوس بمفرده في الظلام فقد يصيبه هذا بنوبات رعب تؤدي إلى زيادة الخوف لا تقليله.

خامساً : ليحذر الوالدان من الاستهزاء والتقليل من حالة الخوف التي يتعرض لها ابنهما فذلك سيجعله يخفي مخاوفه مستقبلاً، ما يؤدي إلى تفاقم الأمر من الناحية النفسية.

سادساً : يجب أن نربي أطفالنا على الشجاعة وألا نخجل من مخاوف أطفالنا ، ومن المهم تعليم الطفل عن طريق الكلام والأفعال، وأن القلق والخوف مشاعر طبيعية، وتحفيز الطفل وتشجيعه على مواجهة مخاوفه ، وذلك بتخصيص جوائز وحوافز عينية ومادية له.

زر الذهاب إلى الأعلى