فن وتراث غنائي فريد من نوعه .. الجنوب إرث تاريخي عريق
كريترنيوز / تقرير / حنان فضل
يمتلك الجنوب عبر العصور حضارة فنية وثقافية تراثية
رائدة متنوعة ، وقد تشكلت تلك الفنون في الغناء والمسرح والشعر والتمثيل والرسم وغيرها من الفنون. حيث يتطلب اليوم منا جميعا إحياء التراث الغنائي وحفظ الإرث الثقافي التاريخي في الجنوب، بمعنى إنعاش كل ما يخص الإرث الثقافي التاريخي في الجنوب بعد أن تعرض للتهميش طيلة فترة الاحتلال اليمني.
وقد برز دور إدارة الإعلام والثقافة في القيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي بالعاصمة عدن في إعادة الأغنية العدنية، حيث تجري ترتيبات واستعدادات لإقامة مهرجان الأغنية العدنية الأول والتي تهدف إلى إحياء التراث الغنائي الجنوبي والحفاظ على إرثه التاريخي، وتعريف الجمهور بأصالته وتميزه، وستكون العاصمة عدن حاضنة الفن والإبداع.
الجنوب منبر إشعاعي ثقافي :
يقول الدكتور سعيد محمود بايونس استاذ النقد الأدبي جامعة أبين :
الجنوب منبر إشعاعي ثقافي على مستوى الجزيرة العربية، توفرت له كثير من المقدمات التي أفضت إلى هذه النتائج. فالظروف تضافرت لتحقيق هذا التميز ووضع مداميك هوية جنوبية أصيلة.
فالإنسان الجنوبي صانع هذا الإرث هو إنسان من نوع خاص توفرت في كيانه عشق الجمال والفن والإبداع، كما أن طبيعته المتنوعة خلقت هذا التنوع الثقافي، فما بين الجبل والسهل والساحل والصحراء تلاقحت الثقافات على مر العصور، فكان الاستقرار والتمدن أهم محطات الإبداع، والاستقرار يعني الإنتاج والسلام، هذا خلق داخلهم السلام الداخلي الذي جعلهم يتفكرون في حركة الأشياء حولهم .
بعد الاستقرار فكّر الجنوبي في صناعة الفرح وأهم مصادر الفرح هو الغناء، والغناء موجود في حياتهم منذُ وجدوا على هذه البسيطة، لكن غناء الطبيعة الموروث كما تناقلوه، فالفلاح يغني ويرقص بقوالب إيقاعية متوارثة وبالآلات موسيقية محددة كان سيدها الهاجر (الطبل) وكذلك الصياد والعامل والأطفال والأمهات حين يهدهدن أولادهن، فضلا عن رقصات ورثوها انقطعت عن سياقها التاريخي.
وأضاف يايونس : مرحلة الأغنية المؤسسية في الجنوب كانت الجنوب وأيقونتها عدن فنارا إشعاعيا حضاريا بسبب وجود استعمار سمح بانطلاقة عدن نحو التقدم والحرية، فكانت المقايل في شوارع عدن أهم المنتديات الثقافية رأت النور والحرية، وكان الغناء بالعود الوجه الأصيل لهذه المقايل، من هذه المقايل بدأت عدن تعيد صناعة الأغنية التي واجهت الموت في صنعاء فهربت إلى عدن، فتعاورتها أيدي مبدعي عدن لتستوي على سوقها وضبطها بالإيقاع وتنميط المقام، وكذلك فعلت مع الأغنية اليافعية .
دور التسجيلات الصوتية :
ويضيف بايونس : جاءت الأغنية الحضرمية إلى عدن ووجدت لها آذان صاغية، فكانت المقايل تعج بالأغنيات بأصوات عدنية الماس، قعطبي، باشراحيل، الجراش، وغيرهم،وقد لعبت التسجيلات الصوتية (الاسطوانات) دورا في توسيع دائرة الانتشار وتقاطر المبدعون من كل الجنوب لتسجيل أغانيهم ومع المد القومي العربي وانتشار وسائل الاتصال المسموعة والمرئية ،بإذاعة عدن وتلفزيونها زادت مساحات الانتشار وصار الغناء أيقونة حياة وطريقة تحضر وموروث شعب. وقد بدأت الندوات والتجمعات الموسيقية تتأسس وتحمل على عاتقها ولادة أغنية جنوبية تنبع من صميم المكان الذي ولدت فيه.
الندوات تتجاوب مع الموسيقى :
وأوضح بايونس قائلاً : كانت ندوات لحج وأبين وحضرموت تأتي تجاوبا للندوة الموسيقية العدنية في الأربعينات وحفزت المسارح العدنية (خاصة البادري) كل الفنانين للوقوف عليه لأنه طريق النجومية.
ظهرت الأصوات العدنية واللحجية والأبينية والحضرمية وتعلمت الكثير من الحركة الفنية الزاخرة في فترة الخمسينيات والستينيات، وكانت الإذاعة والتلفزيون توثق ذلك الإبداع وتنشره، ثم تواصلت فيما بعد في السبعينيات والثمانينيات إلى أن جاء كسادها وطمسها بعد العام ١٩٩٤م.
سرقة تراث الفن الجنوبي :
فيما قالت الأديبة صوفيا الهدار وهي استاذة جامعية :
لا يخفى على أحد كيف تمت سرقة تراثنا الفني الجنوبي ونسبته إلى أشخاص آخرين أو تحت ما يسمى أغاني التراث، ولن نسمي دولًا بعينها هنا ولا أسخاصا بعينهم لأن قطاع طرق الفن كثر.
إن إحياء الفن الغنائي الجنوبي مسؤولية وطنية؛ وأهم سبلها التوثيق والأرشفة، وإعادة إحيائه بأصوات جديدة في إطار عمل منظم ومدعوم تشرف عليه الجهات المعنية بالفن والثقافة.
هناك سؤال معلق في هذا الصدد؛
لمَ هذا الركود والجفاف الفني في حاضرنا؟ ربما تتعدد الإجابات ولكن ربما يكون من بينها الظروف التي يمر بها الإنسان الجنوبي؛ من حروب وصراعات وهموم اقتصادية واجتماعية؛ وتداعيات التطرف الديني؛ جميعها تقف حائلًا أمام صفاء الذهن وتجليات المشاعر. أيضاً ربما يكون عدم اهتمام الجهات المسؤولة بدعم وتمويل المشاريع الفنية بشكل عام والغنائية بشكل خاص، لما تتطلبه من إمكانات مادية تفرضها تقنيات العصر في التسجيل وغيره.
شهد الجنوب تطورا ثقافيا وفنيا :
وأما علي سالم الدياني وهو مدير إدارة المعلومات بإذاعة عدن قال :
شهد الجنوب تطوراً ثقافياً وفنياً منذُ بداية القرن العشرين مواكبة مع التطور الاقتصادي والعمراني إبان الاستعمار البريطاني وخاصة في مدينة عدن ، وكانت هناك بدايات نشر الفن بألوانه المختلفة وبروز اللون العدني الذي يجمع كل إيقاعات تلك الألوان الفنية منها الصنعاني واللحجي واليافعي والحضرمي كألوان معروفة ومع إنشاء إذاعة عدن في عام 1954 انتشرت كل تلك الألوان الغنائية وظهرت الدراما من خلال المسلسلات الاجتماعية والكوميدية الهادفة وبرزت الثقافة الجنوبية لتنتشر في دول الجزيرة العربية والمنطقة العربية. وكان هناك أغان تم تسجيلها بأصوات فنانين عرب وبأصوات فنانين من عدن ولا ننس الفنان السوري فهد بلان والفنانة اللبنانية هيام يونس والفنانة اللبنانية، أيضاً نجاح سلام وغيرهم من الفنانين العرب الذين تغنوا بالفن العدني الجنوبي.
ونحن اليوم أمام إعادة هذا الإرث الفني والثقافي بهدف تطويره وإضافة اللمسات الإبداعية له وهناك شباب واعد في الجنوب في المجال الفني يحتاجون إلى الدعم من أجل تطوير إمكانياتهم وتحسين مستوى أدائهم الفني.