الحوار الوطني الجنوبي لا يستورد من الخارج

بقلم: عبدالكريم أحمد سعيد
أطلق الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي في منتصف عام 2021 دعوته لانطلاق مسار الحوار الوطني الجنوبي ليبدأ من الخارج، في مبادرة عبرت عن رؤية استراتيجية تستهدف إعادة بناء البيت الجنوبي على أسس الشراكة الوطنية والتوافق السياسي، بعيداً عن الإقصاء والتفرد، وبما يستوعب مختلف المكونات والتيارات السياسية والاجتماعية.
لم تكن الدعوة للحوار ترفا ولا خطوة عابرة أو استجابة ظرفية، بل عملية تأسيسية واعية تؤمن باهمية الحوار كاسلوب امثل لتقريب وجهات النظر وصولا الى توحيد الصف الجنوبي وتحصين مشروعه الوطني في مواجهة التحديات الداخلية والتعقيدات الإقليمية والدولية.
ومع انتقال هذا الحوار إلى الداخل، شهدت محافظات الجنوب لقاءات موسعة ضمت طيفاً واسعاً من القيادات والمكونات السياسية والمجتمعية من المهرة وسقطرى شرقاً إلى عدن وباب المندب غرباً، ليؤكد على وحدة الجغرافيا والإرادة السياسية الجنوبية.
وقد توج هذا المسار بانعقاد اللقاء التشاوري الجنوبي الأول في العاصمة عدن خلال الفترة من 4 إلى 8 مايو 2023، في لقاء تاريخي عظيم، مثل محطة فارقة في مسيرة الجنوب السياسية، وأثمر التوقيع على الميثاق الوطني الجنوبي كوثيقة مرجعية ترسم ملامح الدولة الجنوبية المنشودة على أسس تمثيل عادل وتوافق وطني جامع.
أكدت مخرجات اللقاء التشاوري أن مفردة الاقصى لا مكان لها في الجنوب وان الانتقالي لا ينتهج سياسة الاقصى ، بل يمد يده لكل من لم تتح لهم فرصة المشاركة للانضمام إلى مسار وطني قائم على الاحترام المتبادل والعمل المشترك.
فالحوار الوطني مشروع مفتوح يراهن على التوافق كمدخل لاستعادة القرار السيادي الجنوبي في بيئة إقليمية ودولية معقدة.
وبدلاً من دعم الإجماع الوطني الجنوبي الذي أفرزه اللقاء التشاوري الأول وميثاقه الوطني، تحاول بعض الأطراف الخارجية، تحت عناوين «السلام» و«الوساطة»، فرض مسارات موازية لا تنطلق من الداخل ولا تعكس الإرادة الجمعية للجنوبيين.
وتهدف هذه المساعي إلى تدويل الحوار الجنوبي والترويج لمكونات معظمها يفتقر إلى التمثيل الحقيقي وبعضها يفتقد للقاعدة الشعبية، في محاولة لصناعة معارضة مصطنعة تستخدم كورقة ضغط سياسية أو توازن إعلامي.
إن الحوار الوطني الجنوبي الحقيقي ليس في الفنادق أو تقارير المنظمات، بل في العاصمة عدن وفي عموم المحافظات الجنوبية، بين الناس وفي ميادينهم، وعلى طاولة توافق وطني خالص.
ومن أراد المساهمة في مسار سلام حقيقي، فعليه احترام إرادة شعب الجنوب والانخراط في مشروعه الوطني من الداخل، لا صناعة بدائل مشوّهة من الخارج.
لقد أثبت الجنوبيون في محطات متعددة قدرتهم على إدارة شؤونهم، وتجاوز خلافاتهم، وصياغة توافقاتهم السياسية متى توافرت الإرادة الوطنية الصادقة.
وما يحتاجه الجنوب اليوم هو شراكات حقيقية تقر بحقه في تقرير مصيره، وتتعاطى مع قضيته باعتبارها قضية شعب وهوية وحق سياسي مشروع، لا مجرد تفصيل في معادلات التسوية أو مساحة للتجريب السياسي.
إن اللحظة التاريخية الراهنة تتطلب إدراك الجميع، في الداخل والخارج، أن الجنوب ليس عبئاً على أحد، بل شريك فاعل في إرساء الأمن والاستقرار الإقليمي، وقوة سياسية صاعدة ذات مشروعية شعبية وتجربة نضالية راسخة.
وسيبقى الحوار الوطني الجنوبي، الذي انطلق بإرادة وطنية، شأناً جنوبياً خالصاً يدار من الداخل وبأدوات وطنية بعيدة عن العبث والتدخلات الخارجية.