مقالات وآراء

سمات الشخصية الإخوانية

 

كتب: د. سعيد توفيق

ما أقوله هنا ليس انطباعات ذاتية، وإنما هو نتاج التجربة الشخصية. ذلك أننى قد عرفت الشخصية الإخوانية معرفة مباشرة، من خلال ما رأيت وسمعت من أخلص أقربائى الذى كان يشغل منصبًا قياديًّا فى التنظيم فى فترة الخمسينيات وبداية الستينيات، قبل أن ينشق عن الجماعة ويهجرها إلى الأبد؛ ومن خلال الفترة العصيبة التى توليت فيها أمانة المجلس الأعلى للثقافة، وهى الفترة التى استولى فيها الإخوان على السلطة؛ ومن خلال مشاركتى فى المناقشة الهزلية لدستور الإخوان الذى أرادوا تمريره بليلٍ وفى عجالة، ومن خلال مواقف أخرى عديدة لا حصر لها. وسوف أجمل أهم ملاحظاتى فيما يلى:

الخيانة رذيلة تتأصل فى طبع الإخوانى من خلال أسلوب تربيته وتنشئته؛ فقد تربى على أن يُخلِص للجماعة التى ينتمى إليها وليس للوطن، رغم أنه يتشدق كثيرًا بكلمة الوطن الذى لا يؤمن به حقًّا. الوطن عند الإخوانى هو أى أرض يمكن أن تحكمها جماعته، وهذا أمر لا علاقة له بمفهوم «المواطن العالمى» لدى بعض الفلاسفة والمثقفين ثقافة رفيعة، وهم أولئك الذين يكونون قادرين على تبنى ثقافة إنسانية عابرة للحدود والقوميات.

فالإخوانى لا يعرف شيئًا عن ذلك المفهوم، ويختزله فى نزعة عنصرية تنظر إلى «المواطن العالمى» باعتباره «المواطن الإخوانى»! ولهذا فقد وصفت الإخوان فى فترة مبكرة- قبل تصنيفهم باعتبارهم جماعة إرهابية- بأنهم ليسوا بإخوان ولا بمسلمين، وقلت علانية فى احتفالية ثقافية كبرى إننا ينبغى أن نكف عن ترديد عبارة «الإخوان المسلمين» وأن نصفهم بدلًا من ذلك بـ«الخُوَّان المتأسلمين».

يتسم الإخوانى بضيق الأفق الشديد، وتلك خصيصة تميزه بحكم تنشئته؛ لأننا لا يمكن أن نتوقع ممن تربى على مبدأ «السمع والطاعة» أن يكون شخصًا قادرًا على التفكير الذاتى المستقل، ولا على التساؤل والنقد والحوار؛ فكل ما يثيره من أسئلة ومن نقد لا يكون نابعًا سوى من الرغبة فى الدفاع عن الجماعة التى ينتمى إليها. مثل هذا النوع من البشر ليسوا بشرًا أسوياء؛ لأنهم ينظرون إلى الحياة والوجود من خلال «خُرم إبرة»، ولا يعرفون أن كل فكر حقيقى ينبغى أن يكون فكرًا متحررًا من المعتقدات المسبقة والانحيازات المجانية لأى شخص أو جماعة.

القدرة الرهيبة على الخداع هى سمة أخرى تتأصل فى شخصية الإخوانى من خلال تنشئته على مبدأ «التقية»، وهو مبدأ يقوم على إيهام الخصم بقبول شروطه، بل الإيمان بها؛ تحسبًا للحظة التى يكون فيها من القوة بحيث ينقضّ على هذا الخصم. ولكن الآفة الكبرى أن الخصم هنا ليس حزبًا أو جماعة بعينها، وإنما هو كل من يخالفهم فى المعتقد ولا ينتمى للجماعة! فكل من يخالف الجماعة هو خصم أو عدو منذ البداية؛ ومن ثم يجوز- بل ينبغى- خداعه.
يتسم الإخوانى بالقدرة الرهيبة على المراوغة. ويا ليتها كانت قدرة على المراوغة السياسية التى تكون بين الأحزاب؛ فالإخوانى لا يعرف شيئًا عن هذه المراوغات السياسية؛ لأنه بطبيعته يتسم بالغباء الشديد، فيرى أن عدوه هو كل من لا ينتمى إلى جماعته. ولهذا فإنك إن كان قدرك أن تتحاور مع واحد من هؤلاء الإخوان، فسوف يرهقك كثيرًا لكى تستسلم فى النهاية من جرَّاء التعب والإرهاق فى الحوار والمناقشة. طالما عانيت من هذا حينما زرع الإخوان فى وزارة الثقافة فسائل لهم يحاولون إعاقة أى قرار من قراراتى بوصفى أمينًا للمجلس الأعلى للثقافة. وفى ذلك حكايات وأسرار ومراوغات يطول شرحها ولا يتسع المقام لذكرها.

يتسم الإخوانى بالقدرة على التزييف ولىّ عنق الحقائق؛ ولذلك يحلو للإخوان تصوير أنفسهم دائمًا باعتبارهم ضحايا ينبغى التعاطف معهم باعتبارهم أطهارًا أنقياءَ من كل ذنب ورذيلة؛ فهم يصوّرون أنفسهم دائمًا باعتبارهم ضحايا لما يروّجون له على الدوام باسم «مجزرتى ميدانى رابعة والنهضة»؛ وكأنهم أبرياء من الدم، لم يحملوا السلاح فى وجوه كل المصريين، ولم يحرقوا مع أربابهم الكنائس فى كل مكان، ولم يقتلوا الأبرياء، ولم يلقوا فى أفواه العطشى من رجال الأمن بكرداسة بعد تعذيبهم وقتلهم سوى بماء النار، ولم يلقوا بالصبية من فوق أسطح المنازل بالإسكندرية، ولم يحتف رئيسهم على الملأ بقتلة المصريين بمن فيهم رئيسهم الأسبق السادات؛ وتلك مواقف لا تصدر إلا عن طبائع تجافى طبائع البشر.

جدير بالتنويه أن هذه الرذائل تُوجد فى كثير من البشر، ولكنها من النادر أن تجتمع فى جماعة معينة. وجدير بالتنويه أيضًا أن القوى الإمبريالية التى زرعت جماعة الإخوان وغيرها فى المنطقة العربية، هى نفسها القوى التى تحرص حتى الآن على بقائها، باعتبارها أداة ضغط يمكن استخدامها عند اللزوم. هناك الكثير مما يمكننى قوله فى هذا الصدد، ولكن المقام لا يتسع لذكره. وأعلم أن ما قلته يمكن أن يجلب علىّ نقدًا مريرًا، ولكن قول الصدق أجدى فى الدنيا والآخرة.

* أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة

زر الذهاب إلى الأعلى